كتاب مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين

أنْ يَقولُوا سَمِعْنَا وأطَعْنَا، وأولئِك همُ المُفْلِحُونَ} (¬1). ذلك أنَ العبد ليس له خيار إذا قضى مولاه قضاء، أو وجهه وجهة معينة: {وَمَا كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إذَا قضَى الله وَرَسُوله أَمرًا أنْ يَكُونَ لَهُم الخِيَرَة مَنْ أمرِهِمْ} (¬2).
والاحتكام إلى شرع الله، والانقياد إلى أحكامه من العبادة، ففد أخبر القرآن أنّ أهل الكتاب: {اتخَذُوا أَحبارَهمْ وَرُهْبَانَهُم أَرْبَابا مِنْ دُونِ الله والْمَسِيِح ابنَ مَرْيَمٍ، وَمَا أُمرُوا إلاّ ليَعبدُوا إلَهًا واحِدًا، لا إلَهَ إلاَ هُوَ، سبحَانه عَما يشْرِكونَ} (¬3).
وقد فسَّر الرسول -صلى الله عليه وسلم- الاتخاذ هنا بمتابعة الأحبار والرهبان في تحليلهم الحرام، وتحريمهم الحلال.
روى الِإمام أحمد والترمذي وابن جرير (¬4) -من طرق- عن عدي بن حاتم (¬5) -رضي الله عنه- أنه لما بلغته دعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فرَّ إلى الشام، وكان قد تنصر في الجاهلية، وأسرت اخته وجماعة من قومه، ثم مَنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أخته وأعطاها، فرجعت إلى أخيها، فرغبته في الِإسلام، وفي القدوم على الرسول صلى الله عليه وسلم، فقدم عدي المدينة
¬__________
(¬1) سورة النور / 51.
(¬2) سورة الأحزاب / 36.
(¬3) سورة التوبة / 31.
(¬4) هو محمد بن جرير الطبري، كان بحرا في التفسير، والتأريخ، ومعرفة الخلاف، وعلوم الدين، مجتهدا لا يقلد أحدا، وكتابه في التفسير خير كتاب يقتنى في هذا العلم، ولد في (آمل) بطبرستان سنة (224 هـ)، وتوفي ببغداد سنة (310 هـ). (طبقات الحفاظ ص 307)، (شذرات الذهب 2/ 260)، (الأعلام 6/ 294).
(¬5) هو عدي بن حاتم الطائي، سيد قبيلة طيء في الجاهية والإسلام، صحابي كريم، وشجاع جواد، ولد بأرض طيء، وتوفي بالكوفة سنة (68 هـ).
(الاستيعاب 3/ 1057)، (الكاشف 2/ 259)، (خلاصة تذهيب الكمال 2/ 223).

الصفحة 48