كتاب مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين

المباح، ودون المنهي .. عنه (¬1).
وردد القرطبي في تفسيره ما ذكره ابن العربي عند تفسير القرطبي للآية السابقة، فقال: "ما لم يشرعه الله قربة ولا ندب إليه لا يصير قربة بأن يتقرب به متقرب" (¬2)، وقد شعر القرطبي أن بعض الأفعال قد تشكل على بعض الناس هل يجوز التقرب بها أم لا، ولذلك نقل لنا ضابطا عن ابن حويز منداد (¬3)، لتوضيح هذه المسألة.
قال: "إذا أشكل ما هو بر وقربة بما ليس هو بر وقربة فينظر إلى ذلك العمل: فإن كان له نظير في الفرائض والسنن فيجوز أن يكون قربة، وكان لم يكن فليس ببر ولا قربة، قال: جاءت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم".
وذكر حديث ابن عباس قال: "بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس، فسأل عنه، فقالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم، ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مروه، فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه" (¬4)، فأبطل النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان غير قربة مما لا أصل له في الشريعة الِإسلامية، وصحّح ما كان قربة مما له نظير في الفرائض والفتن" (¬5).
ومما يؤيد هذا أنَّ الشافعي -رحمه الله تعالى- ذهب إلى عدم وجوب الوفاء بنذر مباح، وهو ما علق بشرط رغبة، كقوله إن قدم غائبي فعلي صدقة، أو علق بشرط رهبة كقوله: إن كفاني الله شر كذا فعليّ صدقة".
¬__________
(¬1) أحكام القرآن لابن العربي 1/ 10.
(¬2) تفسير القرطبي 2/ 346.
(¬3) هو محمد بن أحمد بن خويز العراقي المالكي فقيه أصولي، من آثاره كتاب كبير في الخلاف، وكتاب في أصول الفقه توفي سنة (390 هـ).
راجع: (معجم المؤلفين).
(¬4) قال الحافظ ابن حجر في (تلخيص الحبير 4/ 177): ورواه البخاري بهذا اللفظ، وليس فيه في الشمس، ورواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان، ورواه مالك في الموطأ عن حميد بن قيس مرسلا.
(¬5) تفسير القرطبي 2/ 346.

الصفحة 492