كتاب مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين

فمن النصوص القرآنية التي تتحدث عن القصد والنية بلفظ الإرادة قوله تعالى: {مِنْكُمْ مَن يُرِيدُ الدُنْيَا، ومِنكم مَن يُرِيدُ الآخرة} (¬1)، وقوله: {واصبر نفسك مع الّذِينَ يَدْعُونَ ربَّهُمْ بالْغَدَاةِ واْلعَشيّ يُرِيدُونَ وجهه} (¬2)، والمتأمل في هذين النصين يدرك أن المراد بالِإرادة هنا القصد والنية، والنصوص في ذلك كثيرة.
والآيات القرآنية الآمرة بالاخلاص والحاثّة عليه كثيرة أيضا كقوله تعالى: {فَاعْبُدِ الله مخلِصًا لَهُ الدِّينَ}، (¬3) {وَمَا أمِرُوا إلاّ لِيَعبدُوا الله مُخْلصِين لَهُ الدِّينَ} (¬4).
وقد استدل العلماء بهاتين الآيتين وأمثالهما على وجوب النية في العبادات، فإن الإخلاص عمل القلب، وهو الذي يراد به وجه الله تعالى. (¬5)
ويرى فريق من العلماء أنَّ الأحاديث التي حث الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيها على إصلاح النية وتصفيتها استقاها -صلى الله عليه وسلم- من مثل قول الله تعالى {وَمَا أُمِروا إلاَّ لِيعبَدُوا الله مخْلِصِينَ لَهُ الدَينَ} (¬6).
وقد فسر جملة من أهل العلم الشاكلة في قوله تعالى: {قلْ كُل يَعْمَلُ عَلىَ شَاكِلَتِهِ} بالنية. (¬7)
والآيات الناهية عن الشرك تدلُّ دلالة أكيدة على وجوب تصفية النية وإصلاحها،
¬__________
(¬1) سورة آل عمران: 152.
(¬2) سورة الكهف: 28.
(¬3) سورة الزمر: 2.
(¬4) سورة البينة: 5.
(¬5) راجع تفسير القرطبي عند تفسيره للآيتين السابقتين، وانظر بداية المجتهد (1/ 8).
(¬6) سورة البينة: 5، وممن قال بهذا السيوطي في منتهى الآمال.
(¬7) سورة الإسراء: 84، وقد نسب السيوطي وابن حجر القول بذلك إلى الحسن البصري ومعاوية بن قرة المزني، وقتادة (منتهى الآمال 6/ أ)، (فتح الباري 1/ 136).

الصفحة 62