كتاب مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين

وقد علَّل ابن حجر (¬1) سبب الإجزاء الذي يدلُّ عليه كلام الشافعي أنَّ السلطان قائم مقام صاحب المال (¬2).
والذي يظهر لي -والله أعلم- أنَّ الشافعيّ لا يرى أنَّ المكره الذي يمتنع من أداء الزكاة أصلا- يجزىء ذلك عنه، وإنِّما مراده به هنا ذلك الرجل الذي يريد الزكاة، ولكنَّه لا يريد أداءها إلى الحاكم بسبب ظلمه، أو لأنه يريد توزيعها بنفسه، فيكرهه السلطان على أدائها إليه هو، فهذا هو الذي تجزيه.
وقد تكلَّم الفقهاء في الزكاة التي يأخذها الخوارج هل تجزىء عن أربابها؟ ثالث الأقوال، أنَّها إن أخذت على وجه القهر والغلبة أجزأت عمَّن أخذت منه، وبه قال مالك (¬3)، وقد ادعى ابن بطال (¬4) الإجماع على أن أحذ الِإمام الظالم الزكاة مجزىء عمن أخذت منه (¬5).
وممن قال بعدم إجزاء الزكاة ممن أخذت مه قهرا فقهاء الأحناف، وجمع من الحنابلة منهم ابن عقيل (¬6)، والشيخ تقي الدين (¬7)، وقال: هذا هو الصواب (¬8).
¬__________
(¬1) هو أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، علامة عصره في الحديث، انتشرت مصنفاته في حياته، وتهادتها الملوك والأكابر، ولي قضاء مصر مرات، ثم اعتزل، من مصنفاته: (فتح الباري شرح صحيح البخاري) ولد في سنة (773 هـ)، وتوفي سنة (852 هـ). (طبقات الحفاظ ص 547) (الأعلام 1/ 173).
(¬2) فتح الباري (1/ 135).
(¬3) هو مالك بن أنس الأصبحي، إمام دار الهجرة وعالمها، وأحد الأئمة الأربعة، مولده ووفاته في المدينة (93 - 179 هـ)، كان صلبا في دينه، بعيدا عن الأمراء والملوك، له كتاب (الموطأ)، وكتاب في (المسائل)، و (تفسير غريب القرآن). (خلاصة تذهيب الكمال 3/ 3)، (طبقات الحفاظ ص89)، (الكاشف 3/ 112).
(¬4) هو علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال، عالم بالحديث من أهل قرطبة، له كتاب (شرح البخاري)، توفي سنة (449 هـ). (شذرات الذهب 3/ 283)، (الأعلام 3/ 283).
(¬5) العيني على البخاري: (10/ 32).
(¬6) هو علي بن عقيل بن محمد البغدادي الحنبلي شيخ الحنابلة في وقته، كان قوي الحجة، أعظم تصانيفه (الفنون) في أربعمائة جزء، ولد في سنة (431 هـ)، وتوفي سنة (513 هـ).
(لسان الميزان 4/ 243)، (شذرات الذهب 4/ 35)، (الأعلام 5/ 129)
(¬7) هو عبد الغني المقدسي الجماعيلي الحنبلي.
(¬8) الإنصاف (3/ 196)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص 22).

الصفحة 78