كتاب تفسير العثيمين: النمل

لا يتوضؤون ولا يصلون! فهَذَا هُوَ الَّذِي أخَّرنا.
ولذلك أنا - والله - أُحِبُّ دائمًا أنْ يَكُونَ لَدَى أهلِ العلمِ تَطَوُّر فِي الحركة والعَمَل والنهوض بالأمة.
قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} آيَات جمع آيَةٍ، وهي تدلُّ عَلَى أن ما ذُكِرَ فِيهِ عِدَّة آيَات، منها: إظلام الليل والسكون فيه، وإبصار النَّهار والتصرُّف فيه، فهي أربع آيَات، مَعَ ما تَتَضَمَّنَهُ أيضًا من آيَاتٍ أُخرى تَسْتَلْزِمُها، ولهَذَا جمع فقال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ}.
فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: أين الآيَات فِي كون الليل لِيسكنوا فِيهِ والنَّهار مُبصِرًا؟
نَقُول: السكون فِي الليلِ والتصرُّف فِي النَّهار؛ لأَنَّنا قُلْنَا: حذفَ مِن النَّهارِ ما ذكرَ فِي الليلِ، وحذفَ فِي الليلِ ما ذكرَ فِي النَّهارِ، يعني فِي المقابلةِ.

من فوائد الآية الكريمة:

الْفَائِدَة الأُولَى: تقرير هَذِهِ القُدْرَةِ الإلهيَّة، وهي جَعْل الليلِ مُظلِمًا للسكنِ، والنَّهارِ مُبْصِرًا للمعيشةِ، وهَذِهِ النعمة كلهم يُقِرُّون بها، ولهَذَا قَالَ: {أَلَمْ يَرَوْا}.

الْفَائِدَة الثَّانِيَةُ: الاستدلال بالشاهدِ عَلَى الغائبِ، فإن هَذَا الليل والنَّهار ما أحد من الخلقِ يستطيع أنْ يُغيِّر فيهما أقلَّ تغييرٍ، قَالَ تَعَالَى: {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ} [القصص: ٧١]، {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ} [القصص: ٧٢]، فالقادر عَلَى هَذَا التغييرِ قادرٌ عَلَى البعثِ، فالْإِنْسَان فِي الليلِ يُتَوَفَّى ثُمَّ يُبْعَثُ فِي النَّهارِ، قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى} [الأنعام: ٦٠]، فالقادرُ عَلَى هَذَا قادرٌ عَلَى إعادةِ النَّاسِ بعدَ مَوتِهم.

الصفحة 482