كتاب تفسير العثيمين: النمل

ويحتمل أَنَّهُم يفزعون ولكِنهم آمنونَ، فيَكُون هَذَا الفزعُ مجرَّد شعورٍ بما يُفزَع منه فقط، وليسوا يخافون منه.
كذلك عَلَى أحدِ التفسيرينِ اللذينِ أَشرنا إليهما فِي قوله: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} [النمل: ٨٧]، أن هَذَا الفزعَ بَعْد القيامِ؛ لِأَنَّ بعض العُلَماء يرى أن النفخَ يَكُون بالصعقِ والبعثِ، ثُمَّ النفخة الثَّالثة للفزعِ بعدَ البعثِ، ولكِن هَذَا سبقَ أننا قُلْنَا: إنَّهُ مرجوحٌ، وإن الصَّواب أن الفزعَ هُوَ الَّذِي يَكُون به الصَّعْقُ.

من فوائد الآية الكريمة:

الْفَائِدَة الأُولَى: أن الحسناتِ يُؤتَى بها يوم القيامة؛ لقوله: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ}.
فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: كيف يُؤتَى بالحسناتِ وهي أعمالٌ مَضَتْ، والأَعْمال معانٍ وليستْ أجسامًا؟
فيقال: إن الله تَبَارَكَ وَتَعَالى عَلَى كُلّ شيءٍ قديرٌ، يُقَلِّبُ هَذِهِ المعانيَ إِلَى أجسامٍ، مثلما قلبَ الموتَ وَهُوَ معنًى إِلَى جسمٍ، وَهُوَ الكبشُ (¬١)، فالله تَعَالَى عَلَى كُلّ شيءٍ قديرٌ. قَالَ النَّبِيّ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لأصحابِهِ: "مَنْ تَعُدّونَ المُفْلِسَ فِيكُمْ؟ ". قَالُوا: مَن لا دِرْهَمَ عنده ولا متاع. فقال: "المُفْلِسُ مَنْ يَأْتِي بَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ الجِبَالِ" (¬٢).
وأخبرَ -صلى الله عليه وسلم- أن الله تَعَالَى يَقبَلُ الصدقة منَ الكَسْبِ الطيِّب بِعِدْلِ التمرةِ؛ أي:
---------------
(¬١) صحيح البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ}، رقم (٤٧٣٠)، ومسلم: كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، رقم (٢٨٤٩).
(¬٢) رواه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، حديث رقم (٢٥٨١)، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.

الصفحة 509