كتاب تفسير العثيمين: النمل

ما يُعادِلها، فيربِّيها كما يُربّي الْإِنْسَانَ فَلُوَّه حَتَّى تكونَ مثل الجبلِ (¬١)، وهَذَا أيضًا عمل.
فالمهمّ أننا نَقُول: إن المجيءَ بالأَعْمالِ يومَ القيامةِ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ؛ لِأَنَّ الله تَعَالَى عَلَى كُلّ شَيْء قديرٌ.

الْفَائِدَة الثَّانِيَةُ: أن العبرةَ بالمجيءِ بالحسنةِ، لا بعملها؛ لِقَوْلِهِ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} وذلك لِأَنَّ عاملَ الحسنةِ فِي الدُّنْيا قد لا يأتي بها يومَ القيامة، حيثُ يَحْصُلُ ما يُبطِلها، قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: ٢٦٤]، فقد يعملُ الْإِنْسَان الحسنةَ لكِن يأتي بشيءٍ يُبْطِلها فلا يأتي بها يوم القيامةِ، والمَدارُ عَلَى الإتيانِ بها يومَ القيامةِ.

الْفَائِدَة الثَّالِثَةُ: أن الجزاء أفضلُ من العَمَلِ وأعظمُ؛ لِقَوْلِهِ: {فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا}.

الْفَائِدَة الرَّابِعَةُ: إثبات الفزعِ فِي يومِ القيامةِ؛ لِقَوْلِهِ: {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ}.

الْفَائِدَة الخَامِسَةُ: أَمْنُ مَن جاء بالحسنة من هَذَا الفزع.

الْفَائِدَة السَّادِسَةُ: أن من جاءَ بالسيئةِ فَإِنَّهُ لا يأمنُ منها، وَهُوَ مأخوذ من مفهومِ قولِه: {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ} يَعْنِي: أَمَّا مَن جاءَ بالسيئة فَاِنَّهُ لا يأمنُ، ولهذَا تُكَبّ وُجُوهُهم فِي النَّار.

الْفَائِدَة السَّابِعَةُ: أن يومَ القيامةِ لا يُقاس بأمرِ الدُّنْيا، فهَذه الأفزاعُ العظيمة لا تُفْزع المُؤْمِنيِنَ الَّذِينَ جاءوا بالحسناتِ، وإنْ كانت عظيمةً فِي ذاتها؛ لِأَنَّ الله تَعَالَى
---------------
(¬١) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب الرياء في الصدقة، حديث رقم (١٣٤٤)؛ ومسلم، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، حديث رقم (١٠١٤)، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.

الصفحة 510