كتاب تفسير العثيمين: النمل

أمَّا البَسْمَلَةُ فقد تَقدَّم الكَلامُ عليها عدَّة مراتٍ، وبيَّنَّا أنَّ أحسنَ ما تُقَدَّر به: أنْ يَكُونَ فعلًا مناسبًا متأخِّرًا.
(أن يَكُون فِعلًا) لأنَّهُ الأَصْل فِي العواْملِ، وَهُوَ أيضًا أدلّ عَلَى الحُدُوث.
(متأخِّرًا) لفائدتينِ هما:
الأوَّل: التبرُّك بتقديمِ اسمِ اللهِ.
الثاني: إفادة الحصرِ، يَعْنِي: باسم الله لا باسمِ غيره.
(ومناسبًا) لِأنَّهُ أخصُّ من العامِّ.
فـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) التَّقْدير: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَقْرَأُ، ويجوز أنْ تقدِّر: أقرأُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ويجوزُ أن تقدِّر: قِرَاءتي بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أو بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قِراءتي، لكِنْ ما ذَكَرْنَا أوَّلًا هُوَ الأرجحُ. وأشار شيخ الإِسْلامِ ابنُ تَيْمِيَّة رَحَمَهُ الله إِلَى رُجحانه بقولِ الرَّسُولِ عليهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "مَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللهِ" (¬١) فذكر فعلًا، ولم يقل: فليكنْ ذَبْحه، بل قَالَ: "فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللهِ" (¬٢).
قَالَ المُفَسِّر رَحَمَهُ الله: [{طس} اللهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ بذلك]. هَذَا ما سلَكَه المُفَسِّر وجماعةٌ من أهلِ العلمِ، بأن هَذِهِ الحروفَ الِهجائيَّة الموجودة فِي أوائل بعضِ السُّوَر مَوْقِفنا مِنْهَا أن نَقُولَ: اللهُ أَعْلَمُ بمرادِهِ بذلكَ.
---------------
(¬١) رواه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب قول النبِي - صلى الله عليه وسلم -: "فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللهِ"، حديث رقم (٥١٨١)؛ ومسلم، كتاب الأضاحي، باب وقتها، حديث رقم (١٩٦٠)، عن جندب بن سفيان البجلي - رضي الله عنه -.
(¬٢) انظر: مجموع الفتاوى (١٠/ ٢٣١).

الصفحة 8