كتاب الدعاء للطبراني - نسخة مقابلة (اسم الجزء: 2)
فَغَضِبَ وَذَهَبَ وَتَرَكَ أَجْرَهُ، فَوَضَعْتُ حَقَّهُ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ مَرَّتْ بِي بَقَرٌ, فَاشْتَرَيْتُ فَصِيلَةً مِنَ الْبَقَرِ, فَبَلَغَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَمَرَّ بِي بَعْدَ حِينٍ شَيْخٌ ضَعِيفٌ لاَ أَعْرِفُهُ, فَقَالَ: إِنَّ لِي عِنْدَكَ حَقًّا, فَذَكَرَهُ, حَتَّى عَرَفْتُهُ, فَقُلْتُ: إِيَّاكَ أَبْغِي، هَذَا حَقُّكَ, فَعَرَضْتُهَا عَلَيْهِ جَمِيعًا, فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ, أَتَسْخَرُ بِي, إِنْ لَمْ تَصَدَّقْ عَلَيَّ, فَأَعْطِنِي حَقِّي، قُلْتُ: وَاللهِ مَا أَسْخَرُ بِكَ إِنَّهَا حَقَّكَ, مَا لِي مِنْهَا شَيْءٌ, فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ لِوَجْهِكَ, فَافْرُجْ عَنَّا, فَانْصَدَعَ الْجَبَلُ, حَتَّى رَأَوُا الضَّوْءَ وَأَبْصَرُوا، وَقَالَ الآخَرُ: قَدْ عَمِلْتُ حَسَنَةً مَرَّةً، كَانَتْ لِي فَضْلٌ, فَأَصَابَتِ النَّاسَ شِدَّةٌ,
فَجَاءَتْنِي امْرَأَةٌ تَطْلُبُ مِنِّي مَعْرُوفًا، فَقُلْتُ: وَاللهِ مَا هُوَ دُونَ نَفْسِكِ، فَأَبَتْ عَلَيَّ، فَذَهَبَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ، فَذَكَّرَتْنِي بِاللهِ, وَأَبَيْتُ عَلَيْهَا، وَقُلْتُ: لاَ وَاللهِ مَا هُوَ دُونَ نَفْسِكِ، فَأَبَتْ عَلَيَّ، فَذَهَبَتْ, فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِزَوْجِهَا, فَقَالَ لَهَا أَعْطِيهِ نَفْسَكِ, وَاغْنِي عِيَالَكِ، فَرَجَعَتْ إِلَيَّ, فَنَشَدَتْنِي بِاللهِ, فَأَبَيْتُ عَلَيْهَا، فَقُلْتُ: وَاللهِ مَا هُوَ دُونَ نَفْسِكِ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَسْلَمَتْ إِلَيَّ نَفْسَهَا, فَلَمَّا كَشَفْتُهَا أُرْعِدَتْ مِنْ تَحْتِي، فَقُلْتُ لَهَا: مَاشَأْنُكِ؟ فَقَالَتْ: أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَقُلْتُ لَهَا: خِفْتِيهِ فِي الشِّدَّةِ, وَلَمْ أَخَفْهُ فِي الرَّخَاءِ، فَتَرَكْتُهَا وَأَعْطَيْتُهَا الْحَقَّ عَلَيَّ بِمَا كَشَفْتُهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ لِوَجْهِكَ, فَافْرُجْ عَنَّا،
قَالَ: فَانْصَدَعَ حَتَّى عَرَفُوا وَتَبَيَّنَ لَهُمْ، وَقَالَ الآخَرُ: قَدْ عَمِلْتُ حَسَنَةً مَرَّةً, كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ, وَكَانَ لِي غَنَمٌ كُنْتُ أُطْعِمُ أَبَوَيَّ وَأَسْقِيهِمَا، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى غَنَمِي, فَأَصَابَنِي يَوْمًا غَيْثٌ وَحَبَسَنِي, فَلَمْ أُرِحْ حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَأَتَيْتُ أَهْلِي, فَأَخَذْتُ مِحْلَبِي, فَحَلَبْتُ وَغَنَمِي قَائِمَةٌ, فَمَشَيْتُ إِلَى أَبَوَيَّ, فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا، فَشَقَّ عَلَيَّ أَنْ أُوقِظَهُمَا, وَشَقَّ عَلَيَّ أَنْ أَتْرُكَ غَنَمِي, فَمَا بَرِحْتُ جَالِسًا وَمِحْلَبِي عَلَى يَدِي, حَتَّى أَيْقَظَهُمَا الصُّبْحُ، فَسَقَيْتُهُمَا, اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ لِوَجْهِكَ, فَافْرُجْ عَنَّا، قَالَ النُّعْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَأَنِّي أَسْمَعُ هَذِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وَسَلم, قَالَ: قَالَ الْجَبَلُ: طَاقْ, فَفَرَجَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمْ, فَخَرَجُوا.
الصفحة 867