كتاب مرويات غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع

يتشددون فيها تشددهم في ثبوت الحديث، وهو مسلك فيه كثيرة من المخاطرة، ووقع بسببه كثير من كتبة التاريخ في أخطاء جسيمة تحتاج إلى تمحيص دقيق، لا يقوى عليه إلا الجهابذة 1، ومع ذلك فقد كان ابن جرير أميناً في النقل دقيقاً في التحري ونسبة الرواية إلى راويها تاركاً لمن جاء بعده أن يحقق ويمحص ويبحث في تحري الصواب بقدر ما تمكنه وسائله.
والكتاب سجلّ تاريخي كبير يعد أوفى عمل تاريخي بين مصنفات المؤرخين المسلمين، أكمل به ابن جرير رحمه الله ما قام به المؤرخون قبله مثل الواقدي وابن سعد وخليفة بن خياط ويعقوب بن سفيان الفسوي والبلاذري واليعقوبي، ومهد السبيل لمن جاء بعده كالمسعودي وابن الأثير وابن خلدون وابن كثير.
ويبقى أنني كنت أجهد نفسي كثيراً في الكلام على الرواة معتمداً في ذلك على كتب الجرح والتعديل سالكاً مسلك نقدة الحديث في تحقيق الرواية، وهذا ما لا وجود له في تاريخ الطبري، لأنه لم يكن يعنيه إلا الجمع، وهذا هو الطابع الغالب الذي سار عليه في تاريخه2.
أما الكتاب الثاني الذي رجعت إليه من كتب ابن جرير الطبري فهو كتاب التفسير المسمى (جامع البيان) وهو أعظم ديوان ألف في تفسير كتاب الله عز وجل، وقد أجمع العلماء على أن ابن جرير إمام المفسرين بما أودع في هذا الكتاب من معارف وعلوم، جمع فيها بين الدراية3 والرواية، فجاء هذا التفسير أوفى تفسير لكتاب الله العزيز.
__________
1 الجهبذ: بكسر الجيم والباء وبينهما ها ساكنة: الناقد الخبير (القاموس المحيط 1/352) .
2 انظر مقدمة تاريخه 1/7-8، ونظرة في مصادر ودراسة السيرة النبوية للدكتور أكرم ضياء العمري، ص6
3 التفسير بالدراية ويسمى (التفسير بالرأي) أو التفسير بالمعقول، لأن المفسر لكتاب الله تعالى يعتمد فيه على اجتهاده، لا على المأثور المنقول عن الصحابة أو التابعين بل يكون فيه الاعتماد على اللغة العربية وفهم أسلوبها على طريقة العرب، ومعرفة طريقة التخاطب عندهم، وإدراك العلوم الضرورية التي ينبغي أن يكون المفسر ملماً بها كالنحو والصرف وعلوم البلاغة وأصول الفقه وأسباب النزول …الخ.
التبيان في علوم القرآن للصابوني، ص 173.

الصفحة 28