كتاب مرويات غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع

وأوسع مرجع في بابه، وقد تتبع فيه مؤلفه التفسير بالأثر محاولاً الاستقصاء مما لم يسبق إليه، فكان إمام المفسرين بالأثر، ثم فإن يتبع ذلك بذكر الخلاف في معنى الآية، وترجيح الصواب فيها، كما أنه كان يعنى باللغة عناية فائقة فكان يستشهد بالشعر لتفسير الغامض من مفردات القرآن ويذكر أقوال أهل النحو والصرف والمعاني ويبين أقربها لأسلوب القرآن بما هداه إليه فهمه، وكان خبيراً باختلاف القراءات معتنياً بتوجيهها مستشهداً لها من أساليب العرب وشعرها، وقد كان إماماً في فنون كثيرة وحجة في الفقه والتفسير والأصول والقراءات وعلوم اللغة على اختلافها، فاستخدم هذه الوسائل كلها في تفسيره، كما أنه كان محدِّثاً ضليعاً فلم يغفل الأحاديث الواردة في سبب نزول أو توضيح آية، وكان بالجملة جماعاً في تفسيره بين علوم شتى مزج بينها مزجاً فريداً بروح علمية فذة، ظهرت فيها شخصيته العلمية ظهوراً بيناً فاستحق بذلك ثناء العلماء عليه وتقديمهم له على غيره من المفسرين، فاحتل تفسيره مكان الصدارة بين كتب التفسير جميعها.
على أنه قد وقع في سرد بعض الإسرائيليات التي يختلط فيها الحق بالباطل، غير أنه لم يكن يسردها على سبيل الاحتجاج، وإنما كان يوردها من أجل توضيح حادثة أشار القرآن إليها وقد كان ينبه على بطلان بعض القصص الإسرائيلية، وإن أهمل كثيراً منها بدون تنبيه مما كان مثار النقد له رحمه الله، في إيراده هذه القصص الإسرائيلية1.
هذا وقد استفدت من هذا الكتاب العظيم فوائد متنوعة أهمها الرجوع إليه في تفسير الآيات الواردة في هذه الغزوة إلى فوائد أخرى كثيرة مشار إليها في مواقعها. وابن جرير هو محمد بن جرير الطبري من علماء القرن الثالث الهجري، فقد كانت وفاته سنة 310هـ وقد أجمع العلماء على جلالته وإمامته وتقدمه في جميع معارف عصره، وله مؤلفات كثيرة مبسوطة في مواضعها من تراجمه، وهي تدل على سعة اطلاعه وعلو شأنه وتفوقه على غيره2.
__________
1 انظر تفسير الطبري 23/158، وتفسير ابن كثير 4/35، وانظر التبيان في علوم القرآن للصابوني ص 210.
2 انظر تذكرة الحفاظ للذهبي 2/710 - 716، والبداية النهاية لابن كثير 11/145- 147، ومقدمة تاريخ الطبري لمحققه محمد أبو الفضل إبراهيم 1/15 - 20.

الصفحة 29