كتاب القواعد في توحيد العبادة (اسم الجزء: 2)

ومع هذا فلا ينكرون ما خلقه الله من الأسباب التي يخلق بها المسببات كما قال تعالى: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: ٥٧]، وقال تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [المائدة: ١٦]، وقال تعالى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} [البقرة: ٢٦]، فأخبر أنه يفعل بالأسباب" (¬١).
وبالنسبة للوحي فإن جبريل هو الواسطة بين الله تعالى وجميع أنبيائه ورسله، كما قال عزَّ وجلَّ في شأن الوحي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤)} [الشعراء: ١٩٣، ١٩٤].
يقول الرازي في "تفسيره": "وأما جبريل عليه السلام فهو كان الواسطة بين الله تعالى وبين جميع الأنبياء، فكان عالمًا بكل الشرائع الماضية والحاضرة، وهو أيضًا عالم بشرائع الملائكة وتكاليفهم" (¬٢).
ويقول الألوسي: "وقد دلت الآية على تعظيم جبريل، والتنويه بقدره، حيث جعله الواسطة بينه تعالى وبين أشرف خلقه، والمنزل بالكتاب الجامع للأوصاف المذكورة" (¬٣).
كما أن الرسل هم الواسطة بيننا وبين الله تعالى في تبليغ الوحي وإيصال الشرائع والأحكام إلى الخلق.
يقول أبو عبد الله القرطبي: "وأن رسله صادقون في قولهم، ومؤيدون بالمعجزات من عند ربهم، وأنهم عبيد الله ورسله، وأنهم بشر مثلنا، إلا أن الله تعالى فضلهم: بأن جعلهم واسطة بينه وبين خلقه" (¬٤).
ويقول الشيخ السعدي في شأن عيسى عليه السلام وما له من المنزلة عند
---------------
(¬١) مجموع الفتاوى (٣/ ١١٢).
(¬٢) التفسير الكبير (٢/ ٢٠٨).
(¬٣) تفسير الألوسي (١/ ٣٣٣).
(¬٤) الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام، للقرطبي (ص ٤٤٠).

الصفحة 1074