كتاب القواعد في توحيد العبادة (اسم الجزء: 1)

ويقول الشيخ العثيمين في معنى قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: ٥٦]: "ويجوز أن يحبه محبة قرابة، ولا ينافي هذا المحبة الشرعية، وقد أُحِبُّ أن يهتدي هذا الإنسان، وإن كنت أبغضه شخصيًا لكفره، ولكن لأني أحب أن الناس يسلكون دين الله" (¬١).
ويقول ابن الجاج: "فليس الإنسان مكلفًا بأن لا يقع له محبة الشيء، وإنما هو مكلف بأن لا يرضى به وإن كانت نفسه تحبه فيكرهه لكراهية الشرع الشريف" (¬٢).
ثامنًا: كان هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في جميع محابّه -سواء الدينية أو الطبيعية- أنها تابعة لمحبة خالقه ومرسله -سبحانه وتعالى-؛ وهذا يدل على عظم محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- لربه، وكمال توحيده وإخلاصه، ورسوخ إيمانه ويقينه، وشدة تعظيمه وإجلاله لربه، وكبير تعلقه به سبحانه، ولذا كان حبه لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أكثر من غيره لما علم من محبة الله لأبي بكر، وكذلك عائشة - رضي الله عنها - كانت أحب نسائه إليه -صلى الله عليه وسلم- لما كان لها من المنزلة والمكانة عند ربها تبارك وتعالى.
يقول الإمام ابن تيمية: "وأيضًا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - محبته تابعة لمحبة الله، وأبو بكر أحبهم إلى الله تعالى، فهو أحبهم إلى رسوله، وإنما كان كذلك لأنه أتقاهم وأكرمهم، وأكرم الخلق على الله تعالى أتقاهم بالكتاب والسُّنَّة" (¬٣).
ويقول ابن الحاج: "فكان - صلى الله عليه وسلم - يزيد لكل شخص في المحبة بحسب ما كانت منزلته عند الله تعالى، ليس للنفس فيه حظ، ولا للهوى فيه مطمع، ولا للعادة فيه مدخل" (¬٤).
---------------
(¬١) القول المفيد على كتاب التوحيد (١/ ٣٤٩).
(¬٢) المدخل (١/ ١٩١).
(¬٣) منهاج السُّنَّة النبوية (٧/ ٣٧٦).
(¬٤) المدخل لابن الحاج (١/ ١٧٣).

الصفحة 601