كتاب القواعد في توحيد العبادة (اسم الجزء: 2)

المحرمات، والثالث الحريص على الخيرات والطاعات، التارك ما لا بأس به حذرًا مما به بأس.
يقول ابن الأثير في أقسام المذكورين في الآية: "وهذه قسمة صحيحة؛ فإنه لا يخلو أقسام العباد من هذه الثلاثة؛ فإما عاص ظالم لنفسه، وإما مطيع مبادر إلى الخيرات، وإما مقتصد بينهما" (¬١).
ويقول الإمام ابن تيمية: "فالقول الجامع أن الظالم لنفسه: هو المفرط بترك مأمور أو فعل محظور، والمقتصد: القائم بأداء الواجبات وترك المحرمات، والسابق بالخيرات: بمنزلة المقرب الذي يتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض حتى يحبه الحق" (¬٢).
وقال -رحمه الله- أيضًا: "وهذا التقسيم لأمة محمد فالظالم لنفسه: أصحاب الذنوب المصرون عليها، ومن تاب من ذنبه؛ أي: ذنب كان توبة صحيحة لم يخرج بذلك عن السابقين، والمقتصد: المؤدي للفرائض المجتنب للمحارم، والسابق للخيرات: هو المؤدي للفرائض والنوافل كما في تلك الآيات، ومن تاب من ذنب؛ أي ذنب كان توبة صحيحة لم يخرج بذلك عن السابقين والمقتصدين" (¬٣).
وقال الحافظ ابن كثير مبينًا تفاوت الناس في تحقيق التوحيد: "ثم قسمهم إلى ثلاثة أنواع فقال تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ}: وهو المفرط في فعل بعض الواجبات المرتكب لبعض المحرمات، {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ}: وهو المؤدي للواجبات التارك للمحرمات، وقد يترك بعض المستحبات ويفعل بعض المكروهات، {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ}: وهو الفاعل للواجبات والمستحبات، التارك للمحرمات والمكروهات، وبعض المباحات" (¬٤).
---------------
(¬١) المثل السائر لابن الأثير (٢/ ٢٨٧).
(¬٢) مجموع الفتاوى (٥/ ١٦١).
(¬٣) مجموع الفتاوى (١١/ ١٨٣).
(¬٤) تفسير ابن كثير (٣/ ٥٥٥ - ٥٥٦).

الصفحة 646