كتاب القواعد في توحيد العبادة (اسم الجزء: 2)

ويقول الإمام ابن كثير: "فكما أنه -سبحانه- الواحد في ملكه فليكن الواحد في عبادته، وكثيرًا ما يقرر تعالى مقام الإلهية بالاعتراف بتوحيد الربوبية، وقد كان المشركون يعترفون بذلك كما كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك" (¬١).
ويقول الإمام الشاطبي: "ووجه خامس: وهو أن القرآن قد احتج على الكفار بالعمومات العقلية، والعمومات المتفق عليها؛ كقوله تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٨٥)} [المؤمنون: ٨٤، ٨٥]، فاحتج عليهم بإقرارهم بأن ذلك لله على العموم، وجعلهم إذ أقروا بالربوبية لله في الكل ثم دعواهم الخصوص محسورين لا عقلاء، وقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١)} [العنكبوت: ٦١]؛ يعني: كيف يُصرَفُونَ عن الإقرار بأن الرب هو الله بعد ما أقروا فيدعون شريكًا" (¬٢).
ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ: "وأول أمر في القرآن، يقرع سمع السامع، والمستمع، قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١)} [البقرة: ٢١] فأمرهم بتوحيد الإلهية واستدل عليه بالربوبية، ونهاهم عن الشرك به، وأمرهم بخلع الأنداد، التي يعبدها المشركون من دون الله" (¬٣).
ويصرح الإمام محمد الأمين الشنقيطي بهذه الطريقة القرآنية التي سبق وأن أشار إليها الإمام ابن القيم فيقول: "ويكثر في القرآن العظيم الاستدلال على الكفار باعترافهم بربوبيته جلَّ وعلا على وجوب توحيده في عبادته؛ ولذلك يخاطبهم في توحيد الربوبية باستفهام التقرير، فإذا
---------------
(¬١) تفسير ابن كثير (٣/ ٤٢٢).
(¬٢) الموافقات (٤/ ٣٢٦).
(¬٣) الدرر السنية (١/ ٤٤٣).

الصفحة 666