كتاب القواعد في توحيد العبادة (اسم الجزء: 2)

والضعف فإن توحيد الإلهية يكون من أعظم ثمراته، وأشهر نتائجه التي تحصل بسببه حتمًا ولا بد.
ويقول الألوسي في تفسيره لقوله تعالى: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (١٤)} [الكهف: ١٤]: "وابتدأوا بما يشير إلى توحيد الربوبية لأنه أول مراتب التوحيد والتوحيد الذي أقرت به الأرواح في عالم الذرويون (¬١)، قال لها سبحانه: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)، وفي ذكر ذلك أولًا وذكر الآخر بعده تدرج في المخالفة؛ فإن توحيد الربوبية يشير إلى توحيد الألوهية بناء على أن اختصاص الربوبية به -عز وجل- علة لاختصاص الألوهية واستحقاق المعبودية به -سبحانه وتعالى-، وقد ألزم جل وعلا الوثنية القائلين باختصاص الربوبية بذلك في غير موضع، ولكون الجملة الأولى مشيرة إلى توحيد الألوهية قيل: إن في الجملة الثانية تأكيدًا لها، فتأمل ولا تعجل بالاعتراض" (¬٢).
ويعتبر الإمام ابن القيم دلالة توحيد الربوبية على توحيد العبادة من أعظم الأدلة وأصحها وأظهرها، لما فيها من موافقة العقول وتقبل الفطر، وكونه لم ينكره أحد من البشر إلا عنادًا واستكبارًا، فيقول: "فتوحيد الربوبية أعظم دليل على توحيد الالهية؛ ولذلك وقع الاحتجاج به في القرآن أكثر مما وقع بغيره؛ لصحة دلالته، وظهورها، وقبول العقول والفطر لها، ولاعتراف أهل الأرض بتوحيد الربوبية، وكذلك كان عباد الأصنام يقرون به وينكرون توحيد الإلهية" (¬٣).
---------------
(¬١) قصده: وهم في عالم الذر، وهي الهيئة التي أخرج الله بها ذرية آدم حينما مسح ظهره، وقد جاء في الأثر عن ابن عباس، وابن مسعود: أن الله تعالى لما أخرج آدم من الجنة قبل أن يهبطه من السماء مسح صفحة ظهره اليمنى، فأخرج منها ذرية بيضاء مثل اللؤلؤ كهيئة الذر. [انظر: التمهيد لابن عبد البر (١٨/ ٨٦)].
(¬٢) روح المعني (١٥/ ٢١٩).
(¬٣) طريق الهجرتين (٨٠).

الصفحة 676