كتاب القواعد في توحيد العبادة (اسم الجزء: 2)

ويقول -رحمه الله- في ترجيح المطالبة بالدليل الخاص في كل عبادة: "ويحتمل أن يقال: إن هذه الخصوصيات بالوقت أو بالحال والهيئة والفعل المخصوص يحتاج إلى دليل خاص يقتضي استحبابه بخصوصه، وهذا أقرب والله أعلم" (¬١).
ولا يلزم أن ما كان قربة في عبادة من العبادات من الصفات والهيئات يكون قربة بدون اقترانه بتلك العبادة، أو مع اقترانه بعبادة أخرى غير التي جاء النص بها.
وقد بيَّن الإمام ابن رجب هذه المسألة بتوسع فقال: "فأما العبادات؛ فما كان منها خارجًا عن حكم الله ورسوله بالكلية فهو مردود على عامله، وعامله يدخل تحت قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: ٢١]، فمن تقرب إلى الله بعمل لم يجعله الله ورسوله قربة إلى الله فعمله باطل مردود عليه، وهو شبيه بحال الذين كانت صلاتهم عند البيت مكاء وتصدية، وهذا كمن تقرب إلى الله تعالى بسماع الملاهي، أو بالرقص، أو بكشف الرأس في غير الإحرام، وما أشبه ذلك من المحدثات التي لم يشرع الله ورسوله التقرب بها بالكلية، وليس ما كان قربة في عبادة يكون قربة في غيرها مطلقًا، فقد (رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلًا قائمًا في الشمس فسأل عنه فقيل: إنه نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل وأن يصوم فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقعد ويستظل وأن يتم صومه) (¬٢)، فلم يجعل قيامه وبروزه في الشمس قربة يوفي بنذرهما، ... مع أن القيام عبادة في مواضع أخر؛ كالصلاة، والأذان، والدعاء بعرفة، والبروز للشمس قربة للمحرم، فدل على أنه ليس كل ما كان قربة في موطن يكون قربة
---------------
(¬١) إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (١/ ١٧١).
(¬٢) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأيمان والنذور، باب: النذر فيما لا يملك وفي معصية (٦/ ٢٤٦٥)، برقم (٦٣٢٦)، من طريق ابن عباس -رضي الله عنهما-.

الصفحة 695