كتاب القواعد في توحيد العبادة (اسم الجزء: 2)

من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد" (¬١).
فالجاهل يجب عليه أن يتعلم هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمفرط عاقبته الحسرة والندامة بما فرط في جنب الله، أما المتعدي فتتلى عليه نصوص الوعيد والزجر فيمن تعدى حرمات الله وانتهكها، فإن نفع ذلك وإلا كان حقه العقاب الشديد، والتأديب البليغ.
فالحاصل أن جميع العبادات؛ كالذكر وغيرها كلها توقيفية، فلا مجال فيها للاجتهاد، واختراع العقول، بل لا بد من لزوم سنة صاحب الشريعة؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، والتقرب إلى الله بتشريع شيء لم يشرعه الله تعالى من أعظم الاعتداء على حق الله تعالى في التشريع، ومنازعته لله تعالى في حكمه.
يقول الشيخ السعدي في تفسير قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: ٢١] فقال: "من الشرك، والبدع، وتحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرم الله، ونحو ذلك، مما اقتضته أهواؤهم، مع أن الدين لا يكون إلا ما شرعه الله تعالى، ليدين به العباد، ويتقربوا به إليه، فالأصل الحجر على كل أحد أن يشرع شيئًا ما جاء عن الله ولا عن رسوله" (¬٢).
رابعًا: ومما يستفاد من القاعدة عدم اتخاذ شيء من الأعمال الدينية العبادية، وجعلها أسبابًا لأمور وأغراض دنيوية إلا أن يكون مأذونًا بها من صاحب الشريعة، فإذا لم يأت الإذن من الشارع كانت أسبابًا باطلة، وكان صاحبها مستحقًا للعقوبة حسب إحداثه في الدين ما لم يأذن به الله.
يقول الإمام ابن تيمية: "الأعمال الدينية لا يجوز أن يتخذ شيء منها سببًا للدنيا، إلا أن تكون مشروعة، فإن العبادة مبناها على الإذن من
---------------
(¬١) مجموع الفتاوى (٢٢/ ٥١١).
(¬٢) تفسير السعدي (ص ٧٥٧).

الصفحة 699