كتاب جهد المحتفي في أمر العالم المختفي

الأبنية الهائلة من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات إلى غير ذلك من الأعمال الشاقة التي لا يقدر عليها البشر, وطائفة غواصون في البحار يستخرجون ما فيها من اللاَلئ والجواهر والأشياء النفيسة التي لا توجد إلا فيها، قال تعالى: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} (¬1)، أما المردة منهم فقد سلط الله - عز وجل - سليمان - عليه السلام - عليهم فهم في أغلال مقرونة أيديهم إلى أعناقهم بالسلاسل، وهم كل من تمرد وعصى وامتنع من العمل وأبى, أو أساء في صنيعه واعتدى {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} (¬2)، وقد جعل الله - عز وجل - هذا عطاء لسليمان - عليه السلام - وحده، فالبناة منهم يصنعون له محاريب وتماثيل، والغواصون يستخرجون له من كنوز البحار ما يشاء، والنحّاتون يصنعون له جفانا كبيرة كالحياض (¬3)، وقدورا عظيمة لا تحرك ولا
¬_________
(¬1) الآية (82) من سورة الأنبياء.
(¬2) الآية (38) من سورة ص.
(¬3) في الآية كالجواب، وهو الحوض الكبير، قال الشاعر:
تروح على آل المحلق جفنة ... كجابية السيح العراقي تفهق
يقول: إن جفنة هؤلاء القوم كبيرة واسعة كالماء الجاري على وجه الأرض، المفهق الواسع الممتليء (تفسير الطبري 19/ 232).

الصفحة 38