ربيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأول من آمن به من الصبيان، وهو البائت في فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما أمر بالهجرة، ولهذا العمل العظيم أثره في مقام علي - رضي الله عنه - ليس عند رسول الله وحده، بل عند الأمة بأسرها، فقد عرّض نفسه للهلاك فداء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو زوج ابنته فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة؛ أو نساء المؤمنين (¬1)، رضي الله عنها، وهو أبو الحسنين رضي الله عنهما سيدي شباب الجنة (¬2)، وهو المشهود له بمحبة الله ورسوله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لأعطين الراية غدا رجلا يفتح على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله» (¬3)، وهو المشهود له بالجنة، فكان من الطبعي أن يتطلع لولاية أمر المسلمين بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأسباب ذاتها، ولغيرها من الفضائل، ولم يدر بخلده سوى أن المسلمين لن يختلفوا عليه لما يُرى من مكانته من رسول الله، ولمحبة المسلمين له - رضي الله عنه -، مع اعترافه بفضل أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم -؛ وكان أمر تجهيز النبي - صلى الله عليه وسلم - أهم من ذلك فبدأ به ولم يحضر إلى سقيفة بني ساعدة، هذا كل ما عُرف من أمر علي - رضي الله عنه - في شأن الخلافة، لكن لفراغ موقع القيادة النبوية للمسلمين ولأهمية ملء ذلك الفراغ، بادر بعض الصحابة - رضي الله عنهم - وهم عدد قليل من خيار الصحابة وفضلائهم، وعلي نفسه - رضي الله عنه - لا يشك في ذلك، بل أكده فيما بعد، وكان سعد بن عبادة - رضي الله عنه - ممن بادر في جمع من الأنصار إلى السقيفة دون علم المهاجرين متطلعا إلى ولاية أمر المسلمين بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا أمر طبعي أيضا وله مبرراته، فإنه شيخ الخزرج، وهو أحد السبعين الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العقبة الثانية، وأحد النقباء الاثني عشر (¬4)، وكان سيداً في الأنصار، مقدماً وجيهاً له رياسة وسيادة، يعترف قومه له بها (¬5)، وكان من مستشاري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو وسعد بن معاذ، دون سائر الأنصار - رضي الله عنهم -، لأنهما سيدي قومهما، أشار عليه في غزوة بدر، ويوم الخندق، وكانت راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح بيد سعد بن عبادة - رضي الله عنه - (¬6)، فرأى أن من حقه وحق قومه أن يلي أمر
¬_________
(¬1) البخاري حديث (3624) وفي مواضع عدة، ومسلم حديث (2450).
(¬2) ابن حبان حديث (6960).
(¬3) البخاري حديث (3009) وفي مواضع عدة، مسلم حديث (2404) وفي مواضع ..
(¬4) الإكمال 1/ 253.
(¬5) الاستيعاب 1/ 178.
(¬6) الاستيعاب 1/ 179 ..