وقالت له ابنته: "يا أبتِ، إن البنات يعيرنني؛ يقلن: لم لا يحليك أبوك بالذهب؟ " فقال: "يا بنية، قولي لهن: إن أبي يخشى علي حر اللهب" (¬1).
وقال عن شهوات الناس ومآكلهم: " إن هذه الكناسة مهلكة دنياكم وآخرتكم" (¬2).
وقال - رضي الله عنه -: " إذا زوقتم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم، فالدمار عليكم " (¬3).
قلت: كأنه نظر إلى زماننا وما فيه من المخالفات الشرعية في طول العالم الإسلامي وعرضه، وما ذاك إلا من خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقال - رضي الله عنه -: "إذا رأيتم ستا فإن كانت نفس أحدكم في يده فليرسلها، فلذلك أتمنى الموت أخاف أن تدركني، إذا أُمِّرت السفهاء، وبيع الحكم، وتُهُوِّن بالدم، وقُطعت الأرحام، وكثرت الجلاوزة (¬4)، ونشأ نشوء يتخذون القرآن مزامير" (¬5).
قلت: هذا واقع المسلمين اليوم، نسمع به ونراه، وما راءٍ كمن سمع.
بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع العلاء بن الحضرمي رضي الله عنهما إلى البحرين، ووصاه به، فجعله العلاء - رضي الله عنه - مؤذنا بين يديه، وقال له أبو هريرة - رضي الله عنه -: "لا تسبقني بآمين أيها الأمير" (¬6).
أمانته:
لم تمنع مكانة أبي هريرة - رضي الله عنه - عمر - رضي الله عنه - من محاسبته وقد استعمله عمر بن الخطاب على البحرين في أيام إمارته، وقاسمه مع جملة العمال، إذ شك عمر - رضي الله عنه - في المال الذي استأثر به أبو هريرة - رضي الله عنه - وهو أميره على البحرين.
قال عمر - رضي الله عنه -: "استأثرت بهذه الأموال أي عدو الله وعدو كتابه؟ " فقال ابو هريرة - رضي الله عنه -: "لست بعدو الله، ولا عدو كتابه، ولكن عدو من عاداهما" فقال عمر - رضي الله عنه -: "فمن أين
¬_________
(¬1) البداية والنهاية ط الفكر 8/ 111.
(¬2) البداية والنهاية ط الفكر 8/ 111.
(¬3) البداية والنهاية ط الفكر 8/ 112.
(¬4) الجلواز الشرطي؛ والجمع جلاوزة (الصحاح في اللغة 1/ 96).
(¬5) البداية والنهاية ط الفكر 8/ 113.
(¬6) البداية والنهاية ط الفكر 8/ 113.