كتاب نسبة ومنسوب

صديقي من يقاسمني همومي ... ويرمي بالعداوة من رماني
ويحفظني إذا ما غبت عنه ... وأرجوه لنائبة الزمان (¬1).
نعم هذا هو الصديق، ومن لك به في هذا العصر الذي أصبح فيه وزن الرجل ما يملك من مال، ولو كان أجهل من حمار أهله، وقد قال بعضهم نثرا: صديقي من يَصْدُقني، وتصفو نيته لي، ويريد الخير بي، لا من تسره مساءتي، وتعجبه شقاوتي، وإذا رأيت البؤس من أحبابي فأرجو الرضى من أعدائي، وإذا كان الداء من جهة الدواء تراخت أسباب الشفاء، وإلى أخيه يفزع الإنسان، وبالماء يَستظهِر الغصان، فاذا شرق بالماء فبم يستغيث، وإذا أتي المرء من أخيه فبمن يستعين" (¬2).
قلت: يستعين بالله، ثم بما أرشد إليه إليه المتنبي رحمه الله، وخير الكتب كتاب الله - عز وجل -، ونعم العوض من أصدقاء اللهو والخوض والتنابز كتاب الله - عز وجل -، وقد قلّ الوفاء من القريب فضلا عن البعيد، فكان ذلك خيرا لي، توجهت إلى النظر في بعض ما سطره العلماء، الذين لم يكن همهم الخوض مع الخائضين، ولا التلذذ بالألفاظ المضحكة، ولا ضياع الوقت في الملاعب الملهية عن ذكر الله - عز وجل -، فاستغنيت عن ماض ندمت على ضياع كثير من وقتي فيه، والحمد لله الذي هداني لهذا وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله - عز وجل -، وكان مما نظرت فيه كتاب معجم البلدان للإمام العلامة ياقوت الحموي رحمه الله، إنه موسوعة جمع فيه كثيرا من العلوم، يستطيع الناظر فيه استخلاص العدد الوافر من الكتب، فرأيت معايشة هذا الكتاب العظيم، واستخلاص ما ورد فيه من نسبة ومنسوب، بتصرف مني، ولم ألتزم ذكر جميع من نسب، ولا الغالب منهم، بل أكتفي بمن ذكرهم ياقوت رحمه الله، وقد لا يذكر إلا الفرد والفردين أحيانا، وكذلك لم ألتزم ذكر جميع المواضع المشتركة في اسم واحد، وهي في عدة أمصار، بل أذكر الموضع الذي تمت النسبة إليه، وليعلم أن تسمية المدن والقرى والقلاع والأودية وأوصافها هي مذكورة بما كان في عهد ياقوت رحمه الله، ومن سبقه من المؤرخين واصفي البلدان، وذلك من القرن
¬_________
(¬1) بغية الطلب في تاريخ حلب 4/ 1789.
(¬2) رسائل الثعالبي 1/ 26.

الصفحة 2