كتاب نسبة ومنسوب

السادس وما سبقه، وقد تغيرت أسماؤها وتغيرت أحوالها وأوصافها، ومنها ما آل إلى الخراب بسبب ما لحقها من الحروب، وما ابتعلته المدن بتحولها من قرى مجاورة للمدن إلى أحياء في المدن، وقد رتبت النِّسب على حروف المعجم من الألف إلى الياء، وكل حرف ترتب المعلومات الواردة فيه على حروف المعجم أيضا، هكذا: حرف الألف مع الألف، ومع الباء، وهلم جرا إلى الياء، قاصدا بهذا العمل إفادة الغير، ليُعلم كيف صنع الفاتحون رجالا في تلك المدن والقرى التي أوصلوا إليها نور الإسلام، أو اختطوها وبنوا فيها المدن والقرى والحصون، فأناروا القلوب والعقول بدراسة العلوم وتدريسها، وتداولوها قرونا عديدة، ونحن اليوم نعيش في القرن الخامس عشر من هجرة سيدنا ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - نعيش مع أولئك الجهابذة الأخيار حياتهم العلمية لحظة بلحظة، وكأننا نزاحمهم على المقاعد، وإن كان طواهم الزمن، وطوى الكثير من آثارهم وممالكهم، ومدنهم وقراهم، ومدارسهم التي قد لا يكون بقي منها إلا الاسم دون الرسم، وزالت إما بالخراب، وإما بابتلاع المدن لها حتى أصبحت من أحيائها ومحلاتها، أو بتغير أسمائها، فلم يبق منها إلا ما سطره الجهابذة من صفاتها وأحوالها، وحدودها، وتواريخها، وما مَثلي مع أولئك العلماء العظماء إلا كما قال الأديب غانم بن الوليد المخزومي:
ومن عجب أني أحنّ إليهم ... وأسأل عنهم من لقيت وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها ... ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي.
وكل ما سنقف عليه من النسبة والمنسوب، يتكون من أسماء مدن وقرى وقلاع، وحصون وسكك فتحها الرعيل الأول من المسلمين، أو أنشؤوها واسكنوها الجنود الفاتحين، وساد فيها الإسلام وأهله قرونا حتى نزلت بهم الفواجع ومنها فاجعة التتر، فقد جرى في سنة (617) وسنة (618) من التتر الواردين من أرض الصين ما لو استمرّوا في زحفهم لملكوا الدنيا كلها في أعوام يسيرة، فإنهم ساروا من أوائل أرض الصين إلى أن خرجوا من باب الأبواب، وقد ملكوا وخرّبوا من البلاد الإسلامية ما يقارب نصفها، لأنهم ملكوا ما وراء النهر، وخراسان، وخوارزم، وبلاد سجستان، ونواحي غزنة، وقطعة من السند، وقومس، وأرض

الصفحة 3