كتاب نسبة ومنسوب

تنبيه
كثيرا ما يورد ياقوت وصف المنسوب بالصوفي، أو شيخ الصوفية، أو شيخ الطائفة الصوفية، أو شيخ الطريقة، أو العارف، أو صاحب الكرامات، أو له مشهد يزار، وربما قال: رأيته وغير ذلك، ولا غرابة في ذلك فقد كان ما قبل هذا التاريخ الذي مات فيه المنسوب، وما بعده سوقا راج فيها الفكر الصوفي، ولكن ليس على وتيرة واحدة فمنها ما هو مقبول، ومنها ما هو بدعة منكرة، ومنها ما هو غلو قد يهلك صاحبه، ومنها ما هو كفر وإلحاد وضلال.
فالمقبول: ما قاد الى معرفة الله تعالى وتصفية النفس بالطاعة، والتجرد من شهوات الدنيا، والحذر من الاغترار بها، وهذا سلوك حسن معتمده قول الله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (¬1)، وهذا مبدأ عند جميع فرق الصوفية لكنهم اختلفوا في التطبيق، فأخذ قوم من التصوف مجرد الاعتناء بالظاهر، فالتزموا هيئة معينة في اللباس كالعمامة، والجبة، والمسبحة، والعصا والسجادة، ولا يعتبر هذا من الابتداع في الدين، وقد يكره إذا أدى إلى الشهرة.
وأما ما هو بدعة منكرة، فكمن يفهم التصوف على أنه انقطاع عن الدنيا، واشتغال بالعبادة، وترك ما أباح الله منها، وإنما قلنا: بدعة منكرة، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعلم أصحابه هذا السلوك، بل أنكر على الثلاثة الذين تقالُّوا عبادتهم، فقالوا: وأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ ! قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم، فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» (¬2)، وكذلك فيه مخالفة
¬_________
(¬1) الآية (20) من سورة الحديد.
(¬2) البخاري حديث (5063).

الصفحة 6