كتاب جمع الجوامع المعروف بـ «الجامع الكبير» (اسم الجزء: 16)
اللَّهُمَّ رَبَّ كُلِّ آمِنٍ وَخَائِفٍ ... وَسَامِعًا تهتاف كُلَّ هَاتِفِ
إِنَّ الْخُزاعِىَّ أَبَا تقَاصُفِ ... لَمْ يُعْطنى الْحَق وَلَمْ يُنَاصِفِ
فَاجْمَعْ لَهُ الأحِبَّةَ الأَلَاطِف ... بَيْنَ مران ثم والنَّواصِف
اجْمَعْهُمُ جوف كريهٍ راجفٍ
قَالَ: فَبَيْنَما هُمْ عِنْدَ قَلِيبٍ يَنْزفُونَهُ فَمِنْهم مَنْ هُوَ فِيه وَمِنْهُم مَنْ هو فَوْقَهُ؛ تهور الْقَلِيبُ بِمَن هُوَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ كَانَ فيهِ فَصَارَ قُبُورَهُم حَتَّى السَّاعَة، فَقَالَ عُمَرُ: سُبْحَانَ اللَّه إِنَّ في هَذَا لَعِبْرَةً وَعَجَبًا، فَقَالَ رَجُلٌ مَنَ الْقَوْمِ آخَرُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِثْلِ هَذَا وَأَعْجَب منْهُ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: إِنَّ رَجُلًا مِنْ هُذَيْل وَرِث فَخِذَه الَّذِى هُوَ مِنْهَا، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنهُم أَحَدٌ غَيْرُهُ، فَجَمَعَ مَالًا كثِيرًا، فَعَمدَ إِلَى رُهَيْطٍ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُمْ "بَنُو المؤَمِّل" فَجَاوَرَهُم لِيَمْنَعُوهُ وَليَرُدُّوا عَلَيْه مَاشِيَتَهُ وَإنَّهمْ حَسَدُوهُ عَلَى مَالِهِ، فَجَعَلُوا يَأكُلُونَ مَالَهُ وَيشْتُمُونَ عِرْضَهُ، وَإِنَّهُ نَاشَدَهُم اللَّهَ وَالرَّحِمَ إلَّا عَدَلُوا عَنْهُ مَا يَكْرَهُ، فأَبَوْا عَلَيْهِ، فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْهُم يُقَالُ لَهُ (رَبَاحٌ) يُكَلِّمُهُم فِيهِ وَيَقُولُ: يَا بَنِى الْمُؤَمِّل! ابْنُ عَمِّكُم اخَتَارَ مُجَاوَرَتكُم عَلَى مَنْ سِوَاكُم، فَأَحْسِنوا مُجَاوَرَتَهُ، فَأَبَوْا عَلَيهِ، فَأَمْهَلَهُم حَتَّى إِذَا كَانَ الشَّهْرُ الْحَرامُ دَعَا عَلَيْهِم فَقَالَ:
اللَّهُمَّ أَزِلْ عَيْنَى بَنِى الْمُؤَمِّلِ ... وَارْمِ عَلَى أَقْفَائهِم بِمُنْكُلِ
بِصَخْرَةٍ أو عَرْض جَيشٍ جَحْفَلِ ... إِلَّا ربَاحًا إِنَّهُ لَمْ يَفْعَلِ
فَبَيْنَا هُمْ ذَاتَ يَومٍ نَزَلَ إِلَى أَصْلِ جَبَلٍ انْحَطَّتْ عَلَيهمْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ لَا تَمُرُّ بِشَىْءٍ إِلَّا طَحَنَتْهُ، حَتَّى مَرَّتْ بِأَبْيَاتِهِمْ فَطَحَنَتْهَا طَحْنَةً وَاحدَةً إِلَّا رَبَاحًا الَّذِى اسْتَثْنَاهُ، فَقَالَ عُمَرُ: سُبْحَانَ اللَّه! إِنَّ فِى هَذَا لَعِبْرَةً وَعَجَبًا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَلَا أُخْبِرُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلَهُ وَأَعْجَب مِنْهُ؟ قَالَ: بَلَى؛ قال: فَإِنَّ رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ جَاوَرَ قَوْمًا مِنْ بَنِى ضَمَرةَ، فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْهُم يُقَالُ لَهُ: رِيشَةٌ يَغْدُو عَلَيْهِ، فَلَا يَزَالُ يَنْحَرُ بَعيرًا مِنْ إِبِلِهِ، وإن كلمه قومُه فيه، فلَمَّا لَمْ يَنْتَهِ حَتَّى إِذَا كَانَ الشَّهْرُ الْحَرَامُ دَعَا عَلَيْهِ فَقَالَ:
الصفحة 147