كتاب جمع الجوامع المعروف بـ «الجامع الكبير» (اسم الجزء: 16)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
¬__________
= إنى قد اخترتكم على من سواكم، وأضفت إليكم مالى ونفسى لتمنعونى، فظلمتونى، وقطعتم رحمى، وأكلتم مالى، وأسأتم جوارى، فأذكركم اللَّه والرحم والجوار إلَّا ما كففتم عنى، فقال رجل يقال له: رباح، فقال: يا بنى مؤمل! قد صدق واللَّه ابن عمكم، فاتقوا اللَّه فيه، فإن له رحما وجوارا، وإنه قد اختاركم على غيركم من قومكم فلم يمنعه ذلك منكم، فأمهلهم حتى إذا دخل الشهر الحرام خرجوا أعمارا فرفع يديه إلى اللَّه -عز وجل- في أدبارهم وقال:
لا هم زلهم عن بنى مؤمل ... وارم على أقفائهم (*) بمنكل
بصخرة أو عرض جيش جحفل (* *) ... إلَّا رباحا إنه لم يفعل
فينما هم نزول إلى جبل في بعض طريقهم، أرسل اللَّه صخرة من الجبل تجر ما مرت به من حجر أو صخر، حتى دكتهم (* * *) دكة واحدة، إلَّا رباحا وأهل جنابه، إنه لم يفعل.
فقال عمر: سبحان اللَّه، إن هذا للعجب، لم يرون أن هذا كان يكون؟ قالوا: أنت يا أمير المؤمنين أعلم، قال: إما إنى قد علمت لم كان ذلك، كان الناس أهل جاهلية، لا يرجون جنة ولا يخافون نارا، ولا يعرفون بعثا ولا قيامة، فكان اللَّه تعالى يستجيب للمظلوم منهم على الظالم ليدفع بذلك بعضهم عن بعض، فلما أعلم اللَّه تعالى العباد معادهم، وعرفوا الجنة والنار، والبعث والقيامة، قال: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}، فكانت النظرة والمدة والتأخير إلى ذلك اليوم.
ثم ذكر تكملة الأثر في الرواية برقم 21 فقال: حدثنا الفضل بن غانم الخزاعى، عن سلمة بن الفضل، حدثنى محمد بن إسحاق، عن الحسن بن الفضل بن حسن بن عمرو بن أمية الضمرى، عن أبيه، عن عمر أَبى بكر ابن أمية قال: كان لنا جار من جهينة في أول الإسلام، ونحن على شركنا، وكان منا رجل محارب خبيث يقال له: ريشة، وكنا قد خلفناه لخبثه، فكان ولا يزال يعدون على جارنا ذلك الجهنى، فيصيب له البكرة (* * * *) والناب (* * * * *) والشارف (* * * * * *) فيأتوننا فيشكونه إلينا، فنقول له: واللَّه ما ندرى =
===
(*) أقفائهم: القفا -مقصور-: مؤخر العنق يذكر ويؤنث، والجمع (قُفىّ) بالضم وأقفاء، وأقفية وهو على غير قياس لأنه جمع الممدود كأكسية. مختار الصحاح ص 547.
(* *) جَحْفَل: الجحفل. الجيش، مختار الصحاح ص 39.
(* * *) دكتهم: الأصل فيها دكك، الدّكّ: الدّقة، وقد (دكّه) إذا ضربه وكسره حتى سواه بالأرض، مختار الصحاح ص 209.
(* * * *) (البَكْرةُ) البَكْرُ -بالفتح-: الفَتِىُّ مِنَ الإبِل، بمنزلة الغلام من الناس والأنثى: بَكْرَةَ.
(* * * * *) (الناب): هى الناقة الهرمة التى طال نابها. أى: سنها.
(* * * * * *) (الشارِفٌ): الناقة المسَمَّنَةُ. اهـ: نهاية.

الصفحة 150