كتاب جمع الجوامع المعروف بـ «الجامع الكبير» (اسم الجزء: 16)

فَنَظَرَ إِلَيْهَا كَالْغَضْبَانِ ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ يَا أُمَّ الْمُؤْمنينَ، وَلَكِنْ (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) إِنِّى قَدْ نَحَلْتُك حَائطًا وَإِنَّ فِى نَفْسِى منْهُ شَيْئًا، فَرُدِّيهِ إِلى الْمِيرَاثِ، قَالَتْ: نَعَمْ قَدْ رَدَدْتُهُ (فَقَالَ): أمَا إِنَّا مُنْذُ وَليِنَا أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ نَأكُلْ لَهُمْ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَكِنَّا قَدْ أَكَلْنَا مِنْ جَرِيشِ طَعَامِهِمْ فِى بُطُونِنَا، وَلَبسْنَا مِنْ خَشِنِ ثِيَابِهِمْ عَلَى ظُهُورِنَا، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ فَئ الْمُسْلِمِينَ قَلِيلٌ وَلَا كَثيرٌ إلَّا هَذَا الْعَبْدَ الْحَبَشِىَّ، وَهَذَا الْبَعيرَ النَّاضِحَ، وَجَرْدَ هَذِهِ الْقَطِيفَةِ، فَإِذَا مِتُّ فَابْعَثِى بِهِنَّ إِلَى عُمَرَ، وَابْرَئِى مِنْهُنَّ، فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا جَاءَ الرَّسُولُ لِعُمَرَ بَكَى حَتَّى جَعَلَتْ دمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى الأَرْضِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: رَحِمَ اللَّه أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ، يَا غُلَامُ ارْفَعْهُنَّ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: سُبْحَانَ اللَّه! ! تَسْلُبُ عِيَالَ أَبِى بَكرٍ عَبْدًا حَبَشِيًا، وَبَعِيرًا نَاضِحًا، وَجَرْدَ قَطِيفَةٍ ثَمَنَ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ؟ قَالَ: فَمَا تَأمُرُ؟ قَالَ: تَرُدُّهُنَّ عَلَى عِيَالِهِ، فَقَالَ: لَا، وَالَّذِى بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالحَقِّ لَا يَكُونُ هَذَا فِى وِلَايَتِى أَبَدًا، وَلَا يَخْرُجُ أَبُو بَكْرٍ منْهُنَّ عنْدَ الْمَوْتِ وَأَرُدُّهُنَّ أَنَا عَلَى عيَالِهِ، الْمَوْتُ أَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ".
ابن سعد (¬1).
2/ 2347 - "عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَدْ اسْتَسْلَفَ مِن بَيْتِ الْمَالِ ثَمَانينَ أَلْفًا، فَدَعَا عَبْدَ اللَّه بْنَ عُمَرَ فَقَالَ: بِعْ فِيهَا أَمْوالَ آلِ عُمَرَ، فَإِنْ وَفَّتْ وَإلَّا فَسَلْ بَنِى عَدِىٍّ، فَإِنْ وَفَّتْ وَإلَّا فَسَلْ قُرَيْشًا وَلَا تَعِدْهُمْ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَلَا تَسْتَقْرِضُهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ حَتَّى تُؤَدِّيَهَا؟ قَالَ: مَعَاذَ اللَّه أَنْ تَقُولَ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ بَعْدِى: أَمَّا نَحْنُ فَقَدْ تَرَكْنَا نَصِيَبنَا لِعُمَرَ فَتُغرونِى بِذَلِكَ فَتَتْبَعُنِى تَبِعَتُهُ وَأَقَعُ فِى أمْرٍ لَا يُنْجينِى إِلَّا الْمَخْرجُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ لِعَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ: اضْمَنْهَا، فَضَمِنَهَا، فَلَمْ يُدْفَنْ عُمَرُ حَتَّى أَشْهَدَ بِهَا ابْنُ عُمَرَ عَلَى نَفْسهِ أَهْلَ الشُّورَى وَعِدَّةً مِنَ الأَنْصَارِ، فَمَا مَضَتْ جُمُعَةٌ بَعْدَ أَنْ دُفُنَ (عُمَرُ) حَتَّى حَمَلَ ابْنُ عُمَرَ الْمَالَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَأَحْضَرَ الشُّهودَ عَلَى الْبَرَاءَةِ بِدَفْعِ الْمَالِ".
¬__________
(¬1) الأثر في الطبقات الكبرى لابن سعد (خلافة أبو بكر) جـ 3 ص 139 بلفظ: حدثنا موسى الجهنى، عن أَبى بكر بن حفص بن عمر قال: . . . الأثر.
وفيه تكرار لجملة "لقد أتعب من بعده".

الصفحة 67