كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 16)

الصيحة بالارتعاد والاضطراب أشد من تأثير الدعوة، وقياس من يقول به: أن تجب مغلظة [على الجاني].
قلت: مسألة الحفر التي يجب فيها القصاص على هذا الوجه مصوَّرة في التتمة بما إذا حفر البئر في دهليز رجل ليس في الدار غيره، ولابد له من الخروج، وكان الرجل أعمى، أو كان الموضع مخرج الرجل، وإذا كان كذلك فلا يظهر للأولوية وجه، والدية الواجبة في حال الصياح على الغير دية الخطأ.
قال: وإن صاح على صبي، أي: غير مميز؛ فزال عقله – وجبت الدية؛ لما تقدم، ولا يجري القصاص على الأصح؛ لأن هذا [لا] يزيل العقل غالباً.
وقيل بوجوبه، فعلى هذا إذا آل الأمر إلى المال، لا يخفى الحكم، وعلى الأول تكون دية عمد الخطأ.
قال: وإن صاح على بالغ؛ فزال عقله، لم تجب؛ لأن معه من الضبط والعقل ما يمنعه من ذلك؛ فدل على أن زواله لم يكن من الصياح، وهذا ما جزم به القاضي الحسين، وكذا البندنيجي، وحكاه عن النص في "الأم".
وقد حكى الرافعي فيه الخلاف السابق في سقوطه وموته، وحكى الماوردي أن ابن أبي هريرة قال بالضمان هنا؛ بخلاف الوقوع، وأنه فرق بأن في الوقوع فعلاً للواقع؛ فجاز أن ينسب الوقوع إليه، وليس في زوال العقل فعل من الزائل العقل، فلم ينسب زواله إلا إلى الصائح المزعج.
قال: وإن طلب بصيراً بالسيف؛ فوقع في بئر –أي: ظاهر له – فمات؛ لم يضمن؛ لأنه سبب غير مجلئ؛ فقدمت المباشرة عليه؛ كما لو حفر إنسان بئراً؛ فجاء آخر وردى فيها نفسه؛ ولأنه أوقع نفسه فيما كان يحاذره من المتبع؛ فأشبه ما إذا أكره إنساناً على أن يقتل نفسه؛ ففعل؛ فإنه لا يجب الضمان على المكره.
وهذا إذا كان المطلوب مكلفاً، أما لو كان غير مكلف، وقلنا: عمده عمد، فالحكم كذلك، وإلا ضمن الطالب، صرح به المصنف، والماوردي، وغيرهما.
قال: وإن طلب ضريراً؛ فوقع في بئر، أي: وهو لا يعرف بها، ضمنه؛ لأن الواقع لم يقصد إهلاك نفسه، وقد ألجأه المتبع إلى الهرب المفضي إلى المعنى

الصفحة 11