كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 16)

وأخرجه النسائي، وابن ماجه، والدارقطني في "سننه" والبخاري في "التاريخ الكبير"، ويعضده ما سنذكره عن ابن شعبة في هذا الباب.
وأما إذا كان عمداً؛ فلما روى أبو داود عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: "لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم [خَطِيباً] فَقَالَ: مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ [يُودَى، أو يُقَادَ] " وأخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي والنسائي، وابن ماجه مختصراً ومطولاً.
ثم هذا الكلام من الشيخ موافق في حالة العمد؛ لما حكيناه في أول باب: العفو والقصاص عن الإمام أن القتل العمد موجب للمال لا محالة، ولكن يقتضيه أصلاً معارضاً، وموازناً للقصاص، أو يقتضيه على قضية من التبعية؟ فيه القولان، المعبر عنهما بأن الواجب أحد الأمرين، أو القود عيناً. [لكن الشيخ في المهذب قال: إن] الدية تجب بقتل العمد – في أحد القولين – وبالعفو على الدية في القول الآخر. وإذا كان كذلك فيكون كلامه [هنا] مفرعاً على القول الأول، [أو متعلقاً بمحذوف وهو العفو، ويكون تقديره: إذا أصاب رجلاً بما يجوز أن يقتل فمات منه وعفا عن القود في العمد – وجبت الدية] والله أعلم.
قال: وإن ألقاه في ماء أو نار قد يموت فيه؛ فمات منه – وجبت ديته؛ لنسبة تلفه إليه، وصورة ذلك: [أن] يلقيه في لجة بحر يبعد ساحله، وهو يحسن العوم أو لا يحسنه، أو في نهر أو بحر يقرب ساحله، وهو لا يحسن العوم، أو يلقيه في نار يطول مداها، ونحو ذلك؛ وهكذا الحكم فيما إذا شدّ يديه ورجليه، وطرحه في ساحل؛ فزاد الماء، وهلك منه – فلا فرق فيه بين أن تكون الزيادة معلومة الوجود، أو قد تحصل [أو لا تحصل في] العادة، لكن في الحالة الأول تجب دية العمد، وفي الثانية دية [شبه العمد، وفي الثالثة دية] الخطأ؛ كما صرح به في المهذب، والماوردي في باب: التقاء الفارسين.
قال: وإن أمكنه التخلص، فلم يفعل حتى هلك –ففيه قولان:
أصحهما: أنه لا تجب ديته؛ لأن التلف حصل باستدامة منسوبة إليه، دون

الصفحة 4