كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 16)

قبائلهم الأقرب فالأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على النحو الذي ذكرناه، ويسوي بين بني هاشم وبني المطلب من المهاجرين، وإذا استووا في القرب مع الهجرة، قدم من فيهم أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يبدأ بعد المهاجرين بالأنصار، وهذا إذا تأملته اقتضى أمرين:
أحدهما: أن من هاجر ونسبه بعيد من رسول الله صلى الله عليه وسلمن يقدم على من لم يهاجرن ونسبه قريب منه- عليه السلام - بل إن من هاجر مقدم على الأنصاري، والأنصاري مقدم على من نسبه أقرب من نسب الأنصاري على رسول الله صلى الله ليه وسلم وابن الصباغ والقاضي الحسين وغيرهم، ودلَّ عليه ظاهر لفظ الشافعي - رضي الله عنه-: أن الذين يبدأ بهم قريش؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "قدموا قريشاً [ولا تقدموها"].
ثم يقدم من قريش الأقرب فالأقرب -كما تقدم - إلى أن ينتهوا، فيقدم بعدهم الأنصار. واعتمدوا في ذلك فعل عمر- رضي الله عنه - حين رتب الجيش على هذا النحو، وجعل العباس في أولهم، كما نقله الإمام، [مع] أنه لم يكن من المهاجرين، [بل] من المأسورين يوم بدر، ولم يخالفه أحد، وحينئذ فيتعين حمل كلام الشيخ على أحد أمرين:
إما أن يكون قد أطلق لفظ "المهاجرين" وأراد بهم قريشاً؛ لأن أكثر المهاجرين منهم، مع إرادة التنبيه على فضلهم بالهجرة منضمًّا إلى فضلهم بالنسب، كما عدل عن لفظ "الأوس والخزرج" إلى لفظ "الأنصار"، وليتبع في ذلك لفظ الكتاب العزيز.
وإما أن يكون في كلامه تقديم وتأخير، وهو شائع في كلام العرب، بل في الفصيح منه؛ قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا} [الكهف: 1] [والتقدير: الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجاً].
وقال تعالى: {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى} [طه:129]،

الصفحة 527