كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 16)

من هو أقرب منهم قد يقال: إنه مقتضى كلام الأصحاب، وإن خالفوه؛ لأنهم جزموا بتقديم الأنصار على من هو أقرب منهم، وإذا كان كذلك فالمهاجري مقدم على النصاري بالاتفاق؛ فاقتضى وصفه الذي يقدم به على الأنصاري، أن يتقدم به على من يقدم عليه الأنصاري، وجوابه: أن الأنصار ما قدموا على قريب، بل على قريب ليس [من] قريش، ولا يبعد أن يقولوا: إن المهاجرين من غير قريش مقدمون على من هو أقرب منهم من [غير] قريش، بل يجب القطع به؛ لما ذكرناه، [والله أعلم].
قال: ثم بسائر الناس.
هذا الكلام يجوز أن يكون المراد به سائر الناس من العجم؛ بناء على التقدير الذي سبق؛ لأنه إذا قدم الأقرب فالأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لزم أن يكون العجم بعد جميع العرب؛ لأن العرب أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [من غيرهم]، وعند الانتهاء إلى العجم لا يمكن التقديم بالقرب؛ لأنه لا تنضبط معرفته، بل من بعد عدنان من العرب لا يمكن ضبط قبائلهم؛ للاختلاف في المقدم منها والمؤخر، وإنما قدمناهم على العجم للعلم بأن العرب أقربن وإذا كانوا كذلك كانوا كالقبيلة الواحدة؛ فيقع التقديم فيهم بالسن والفضائل والسابقة إن كانت لهم، كما صرح به الماوردي، وعليه ينطبق قوله في "المهذب" والبغوي: ولا يقدم بعض العجم على بعض بالنسب.
ويحتمل أن يكون المراد بقوله: ثم بسائر الناس، أنه يبدأ بعد الأنصار بسائر الناس؛ بناء على أن مراده بالمهاجرين: قريش، وحينئذ فلا يمكن حمل الكلام على ظاهره؛ لأن الذين يبدأ بهم بعد الأنصار بالاتفاق بقية العرب ثم بالعجم، حتى قال الماوردي: إنه بعد الأنصار يعدل إلى مضر، ثم إلى ربيعة، ثم إلى جميع ولد عدنان، ثم إلى قحطان. فرتبهم على السابقة، [والله أعلم].

الصفحة 529