كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 16)
ورد في الحديث "كل مأثرة من مآثر الجاهلية تحت قدمي إلَّا سقاية الحاج وسدانة البيت".
قوله: "فقطب" أي عبس وجهه من التقطيب.
ويستنبط منه:
إباحة القليل من النبيذ المشتد؛ لأنه يدل صريحًا عليه.
وأن ما أسكر كثيره فقليله يباح ما لم يُسكر، ألا ترى أنه -عليه السلام- قد شرب من نبيذ السقاية وكان مشتدًا، ولما سأله ذلك الرجل بقوله: "أحرام هو؟ فقال: لا" فدل أن الشرب من النبيذ المشتد مباح ما لم يُسكر. وقد احترق بعضهم في التشنيع على مَن يذهب إلى هذا الحديث وأمثاله، وقال هؤلاء: زعموا أنه -عليه السلام- شرب من نبيذ السقاية نبيذًا شديدًا، فجعلوه حجةً في تحليل المسكر، وأنه لم يقطب إلا من شدته، فيقال لهم: أيكون من النقيع ما يشتد وهو حلو قبل غليانه؟ فيقولون: لا. فيقال لهم: أرأيتم نبيذ السقاية أنقيع هو أم مطبوخ؟ فيقولون: نقيع. فإذا هم قد تكلموا بالكفر أو شبهه حين زعموا أن النبي -عليه السلام- شرب نقيعًا مشتدًا، وأنه لا يشتد حتى يغلي، وأنه إذا غلى النقيع فهو خمر.
فهم يرون بأنه خمر، وهم يزعمون بأن النبي -عليه السلام- قد شربه.
قلت: هذا كلام خباط؛ لأنهم متى حللوا المسكر حتى يقيموا عليه حجة: فهل يحلل المسلم المسكر؟! وهل يصدر من مسلم نسبة النبي -عليه السلام- إلى شرب المسكر من النبيذ؟! غاية ما في الباب أنهم قالوا: إن شرب القليل من النبيذ المشتد مباح، وما أسكر كثيره فقليله لا يحرم إلا بالإسكار. ثم احتجوا على ذلك بأنه -عليه السلام- قد شرب من نبيذ السقاية وكان مشتدًا، وشربه -عليه السلام- منه ما كان مسكرًا وإنما كان مشتدًا، فلذلك قطب، ثم صب عليه ماء من زمزم. ولكن هؤلاء لفرط تعصبهم وشدة حطهم على مَن يذهب إلى هذا المذهب يتكلمون بالخرافات من غير تروي، ولا مبالاة عما يترتب عليهم من ذلك عند الله تعالى.
الصفحة 107
576