كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 16)

معاذ: إنك تبعثنا إلى أرض كثيرة الأشربة، فما نشرب؟ قال: اشربوا، ولا تشربوا مسكرًا".
ص: وقد روي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - في ذلك أيضًا ما حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا محمد بن كثير، قال: أنا سفيان، عن أبيه، عن لبيد بن شماس، قال: قال عبد الله: "إن القوم ليجلسون على الشراب وهو حل لهم، فما يزالون حتى يحرم عليهم".
حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، قال: أنا حماد، عن إبراهيم، عن علقمة بن قيس: "أنه أكل مع عبد الله بن مسعود خبزًا ولحمًا. قال: فأتينا بنبيذ شديد نبذته امرأته سيرين في جرة خضراء، فشربوا منه".
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا نعيم وغيره، قالوا: أنا جرير، قال: ثنا حجاج، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة قال: "سألت ابن مسعود عن قول رسول الله -عليه السلام- في المسكر، فقال: الشربة الأخيرة".
فهذا عبد الله بن مسعود قد روي عنه في إباحة قليل النبيذ الشديد من فعله وقوله ما ذكرنا، ومن تفسيره قول رسول الله -عليه السلام-: "كل مسكر حرام" على ما وصفنا.
ش: أي قد روي عن عبد الله بن مسعود أيضًا فيما ذكرنا من أن المراد من قوله -عليه السلام-: "كل مسكر حرام" هو المقدار الذي يُسكر، وأن القليل من النبيذ الشديد مباح؛ وذلك لأنه صرح بقوله: "إن المحرم هو الشربة الأخيرة" في تفسير قوله -عليه السلام-: "كل مسكر حرام"، وفعله أيضًا طابق قوله؛ وذلك لأن علقمة قد حكى عنه أنه شرب نبيذًا مشتدًا كان قد عمل في جرة خضراء، فهذا فعله، وقوله: وتفسيره قول النبي -عليه السلام-: "كل مسكر حرام" دل على إباحة شرب القليل من النبيذ الشديد، وعلى أن المراد من قوله -عليه السلام-: "كل مسكر حرام" هو المقدار الذي يُسكر.

الصفحة 111