كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 16)

قوله: "فإن أعياكم" أي غلبكم من شدته ولم يكسر بالماء.
"فأهريقوه" أي أريقوه، من الإراقة، والهاء زائدة.
ص: فإن قال قائل: فقد رويت في هذا الباب عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ما ذكرت من حديث عمرو بن ميمون وغيره. وقد روي عنه خلاف ذلك، فذكر ما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو اليمان، قال: أنا شعيب، عن الزهري، قال: حدثني السائب بن يزيد: "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج فصلى على جنازة، ثم أقبل على القوم فقال لهم: إني وجدت آنفًا من عبيد الله بن عمر ريح شراب، فسألته عنه فزعم أنه طلاء، وإني سائل عنه فإن كان يُسكر جلدته. قال: ثم شهدت عمر - رضي الله عنه - بعد ذلك جلد عبيد الله ثمانين في ريح الشراب الذي وجد منه".
حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد: "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج عليهم فقال: إني وجدت من فلان ريح شراب، فزعم أنه شراب الطلاء، وأنا سائل عما شرب، فإن كان يسكر جلدته، فجلده عمر - رضي الله عنه - الحد تامًّا".
قال: فهذا عمر قد حَدَّ في الشراب الذي يسكر، فهذا مخالف لما رويتم عن عمرو بن ميمون وغيره، عنه.
قيل له: ما هذا مخالف لذلك؛ لأن عمر - رضي الله عنه - قال في هذا الحديث: "وأنا سائل عما شرب، فإن كان يُسكر جلدته" فقد يحتمل أن يكون أراد بذلك المقدار الذي شرب. أي فإن كان ذلك المقدار يُسكر فقد علمت أنه قد سَكِر ووجب الحد عليه، وهدا أولى ما حمل عليه تأويل هذا الحديث حتى لا يضاد ما سواه من الأحاديث التي قد رويت عن عمر - رضي الله عنه -.
ش: هذا السؤال مثل الاعتراض من أهل المقالة الأولى. وهو وجوابه ظاهران.
وخرج الأثر المذكور عن عمر من طريقين صحيحين:
الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي اليمان الحكم بن نافع شيخ

الصفحة 120