كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 16)

أبي يوسف في الإقرار بالسرقة؛ للزم محمدًا مثل ذلك في الإقرار بالزنا؛ وذلك أنه لما أقر بالزنا مرة واحدة لم يجب عليه حَدٌّ، وقد أقر بوطء لا يحد فيه بذلك الإقرار، فوجب عليه المهر، فلا ينبغي أن يحد في وطء قد وجب عليه فيه مهر، فإذا كان محمد لم يجب عليه بذلك حجة في الإقرار بالزنا، فكذلك أبو يوسف لا يجب عليه بذلك حجة في الإقرار بالسرقة.
ش: أي فكان من دليلنا لأبي يوسف على محمد فيما أورده عليه من ذلك، وأراد بها الجواب عن إيراد محمد على أبي يوسف، وهو إلزام السائل بمثل ما يلزم به المجيب، فمهما كان جواب السائل فيما ألزمه به المجيب يكون هو جواب المجيب فيما ألزمه به السائل؛ فافهم.
ص: وقد رد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الذي أقر عنده بالسرقة مرتين.
حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن القاسم ابن عبد الرحمن، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب: "أن رجلًا أقر عنده بسرقة مرتين، فقال: قد شهدت على نفسك شهادتين، قال: فأمر به فقطع، وعلقها في عنقه".
أفلا ترى أن عليًّا - رضي الله عنه - رد حكم الإقرار بالسرقة إلى حكم الشهادة عليها في عدد الشهود؟! فكذلك الإقرار بحدود الله -عز وجل- كلها لا يقبل في ذلك منها إلا بعدد ما يقبل من الشهود عليها.
ش: ذكر هذا تأييدًا لما ذهب إليه أبو يوسف، وتوضيحًا لصحة وجه النظر الذي ذكره من قوله: إن حكم الإقرار بالسرقة كذلك يرد إلى حكم الشهادة عليها، فكما كانت الشهادة على السرقة لا تجوز إلا من اثنين، فكذلك الإقرار لا يقبل ولا يحكم به إلا إذا كان مرتين.
وإسناد ما روي عن علي - رضي الله عنه - صحيح.

الصفحة 13