كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 16)

الحنطة وخمر الشعير وهم لا يقولون ذلك -يعني من ذهب إلى كراهة نقيع الزبيب والتمر لا يقولون ذلك- لأنهم لا يرون بنقيع الحنطة والشعير بأسًا، ويفرقون بين هذين النقيعين بين نقيع التمر والزبيب حيث لا يرون ذاك بأسًا ويمنعون هذا، فإذا كان كذلك لا يحتمل هذا الحديث ذلك التأويل، ولكن يحتمل التأويلات الأُخر، وهي التأويلات الثلاث الباقية:
الأول: ما ذهب إليه أهل المقالة الأولى، وهو ظاهر الكلام.
الثاني: أن يكون المراد من هذه الأشياء المذكورة هو شيئًا واحدًا، وهو ماء العنب على طريق ذكر أشياء وإرادة شيء واحد، كما في حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -.
الثالث: أن يكون أراد أن الخمر من هذه الأشياء وإن كانت مختلفة ولكن يكون المراد من العنب هو الذي يُفهم منه، وهو الخمر أسكر أو لم يُسكر، ويكون المراد من غيره وهو التمر والعسل والحنطة والشعير هو المقدار المسكر منه.
فإذا احتمل هذان الحديثان هذه التأويلات المذكورة؛ لم يكن الأخذ بأحدها أولى منه ببقيتها، وكل مَن يتأوله على أحد هذه المعاني يتأوله خصمه على ضده؛ فافهم.
ص: فإن احتج محتج في ذلك بما روي عن أنس - رضي الله عنه -، وهو ما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا أبو الأحوص، قال: ثنا أبو إسحاق الهمداني، عن بُرَيد بن أبي مريم، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كنا في عهد النبي -عليه السلام- ننتبذ الرطب والبُسر، فلما نزل تحريم الخمر هرقناهما من الأوعية، ثم تركناهما".
حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا إسماعيل بن جعفر، قال: ثنا حميد الطويل، عن أنس قال: "كان أبو عبيدة بن الجراح وسهيل بن البيضاء وأبي بن كعب عند أبي طلحة - رضي الله عنهم - وأنا أسقيهم من شراب،

الصفحة 50