كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 16)

التمر ونحوه يكون بطرق التشبيه بالخمر، كالفضيخ -وهو نقيع البُسر ونقيع التمر وإن لم يتناولها اسم الإطلاق- وقد روي في معنى الخمر آثار مختلفة، منها ما روى مالك بن مغول، عن نافع، عن ابن عمر قال: "لقد حرمت الخمر وما بالمدينة منها شيء" (¬1)، وقد علمنا أنه كان بالمدينة نقيع البُسر والتمر وسائر ما يتخذ منها من الأشربة، ولم يكن ابن عمر ممن يخفى عليه الأسماء اللغوية، فهذا يدل على أن أشربة الخل لم تكن عنده تسمى خمرًا.
وروى عكرمة عن ابن عباس قال: "نزل تحريم الخمر وهو الفضيخ" (¬2).
فأخبر أن الفضيخ خمر، وجائز أن يكون سماه خمرًا من حيث إنه كان شرابًا حرامًا.
وكذلك ما روي عن أنس: "أنها لَلْبُسر والتمر، وإنها لخمرنا يومئذٍ" (¬3) فأخبر أنس أن الخمر يوم حرمت البُسر والتمر، وهذا جائز أن يكون لما كان محرمًا سماه خمرًا، وأن يكون المراد ما كانوا يجرونه مجرى الخمر ويقيمونه مقامه، لا أن ذلك اسم له على الحقيقة، ويدل على ذلك أن قتادة روى عن أنس أنه قال: "وإنا نعدها يومئذٍ خمرًا" (3) فأخبر أنهم كانوا يعدونها خمرًا على معنى أنهم يجرونها مجرى الخمر.
وروي عن المختار بن فلفل أنه قال: "سألت أنس بن مالك عن الأشربة فقال: "حرمت الخمر وهي من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والذرة، وما خمرت من ذلك فهو خمر"، فذكر في حديثه الأول أنه من البُسر والتمر، وذكر في هذا الحديث أنها من ستة أشياء، فكان عنده أن ما أسكر منه من هذه الأشربة فهو خمر، وهذا يدل على أنه إنما سمى ذلكم خمرًا في حال الإسكار، وأن ما لا يسكر منه فليس بخمر".
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" (5/ 2120 رقم 5257).
(¬2) انظر "الاستذكار" لابن عبد البر (8/ 23).
(¬3) تقدم.

الصفحة 55