كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 16)

وهذا الأثر يدل على أن أنسًا كان يشرب الطلاء.
قال ابن أبي شيبة (¬1): ثنا عبد الرحيم بن سليمان ووكيع، عن عبيدة، عن خيثمة، عن أنس - رضي الله عنه - "أنه كان يشرب الطلاء على النصف"، وكذا روي عن البراء وأبي جحيفة، وجرير بن عبد الله، وابن الحنفية، وشريح القاضي، وقيس، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، والشعبي - رضي الله عنهم - (¬2).
وقال أصحابنا الحنفية: العصير المسمى بالطلاء إذا طبخ فذهب أقل من ثلثيه يحرم شربه. وقيل: الطلاء هو الذي يذهب ثلثه، وإن ذهب نصفه فهو المنصف، وإن طبخ أدنى طبخة فهو الباذق، والكل حرام إذا غلى واشتد وقذف بالزبد.
وكذا يحرم نقيع الرطب وهو المسمى بالسَّكر إذا غلى واشتد وقذف بالزبد. وكذلك نقيع الزبيب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد.
ولكن حرمة هذه الأشياء دون حرمة الخمر، حتى لا يكفر مستحلها، ولا يجب الحد بشربها ما لم يُسكر، ونجاستها خفيفة في رواية، وغليظة في أخرى، ويجوز بيعها عند أبي حنيفة، وتضمن قيمتها بالإتلاف. وقال: لا يحرم بيعها ولا يضمنها بالإتلاف. وقد قال بعضهم: إن الباذق: الخمر المطبوخ.
قال ابن التين: هو اسم فارسي عرَّبته العرب. وقال الجواليقي: باذه أي باذق، وهو الخمر المطبوخ. وقال الداودي: هو يشبه الفقاع، إلا أنه ربما يشتد.
وقال البخاري (¬3): باب الباذق: ثنا محمد بن كثير، أنا سفيان، عن أبي الجويرية قال: "سألت ابن عباس عن الباذق، فقال: سبق محمد -عليه السلام- الباذق، فما أسكر فهو حرام. قال: الشراب الحلال الطيب؟ قال: ليس بعد الحلال الطيب إلا الحرام الخبيث".
¬__________
(¬1) "مصنف ابن أبي شيبة" (5/ 94 رقم 24037).
(¬2) انظر "مصنف ابن أبي شيبة" (5/ 94 - 95 رقم 24034 - 2045).
(¬3) "صحيح البخاري" (5/ 2125 رقم 5276).

الصفحة 57