كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 16)

ص: وكان من الحجة لهم في ذلك أن هذه الآثار التي ذكرنا قد رُويت عن جماعة من أصحاب رسول الله -عليه السلام-، ولكن تأويلها يحتمل أن يكون كما ذهب إليه من حرَّم قليل النبيذ وكثيره، ويحتمل أن يكون على المقدار الذي يسكر منه شاربه خاصةً.
فلما احتملت هذه الآثار كل واحد من هذين التأويلين نظرنا فيما سواها لنعلم به أي المعنيين أريد بما ذكر فيها، فوجدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - -وهو أحد النفر الذين روينا عنهم عن رسول الله -عليه السلام- أنه قال: "كل مسكر حرام"- قد روي عنه في إباحة القليل من النبيذ الشديد ما قد حدثنا فهد، قال: ثنا عمر بن حفص، قال: ثنا أبي، قال: ثنا الأعمش، قال: حدثني إبراهيم، عن همام بن الحارث، عن عمر - رضي الله عنه -: "أنه كان في سفرٍ، فأتي بنبيذ فشرب منه، فقطب ثم قال: إن نبيذ الطائف له غرام -فذكر شدةً لا أحفظها- ثم دعى بماءٍ فصب عليه ثم شرب".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: "شهدت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين طعن، فجاءه الطبيب فقال: أي الشراب أحب إليك؟ قال: النبيذ، فَاُتِيَ بنبيذ فشربه فخرج من إحدى طعناته".
حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا عمرو بن خالد، قال: ثنا زهير، قال: ثنا أبو إسحاق، عن عمرو بن ميمون مثله.
وزاد: قال عمرو: وكان يقول: "إنا نشرب من هذا النبيذ شرابًا يُقطع لحوم الإبل في بطوننا من أن يؤذينا. قال: وشربت من نبيذه فكان كأشد النبيذ".
حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا عمرو بن خالد، قال: ثنا زهير، قال: ثنا أبو إسحاق، عن عامر، عن سعيد بن ذي لعوة قال: "أتي عمر - رضي الله عنه - برجل سكران فجلده، فقال: إنما شربت من شرابك، فقال: وإن كان".

الصفحة 89