كتاب المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (اسم الجزء: 16)
القول الثاني:
لا يشرع مطلقًا، وهو قول شريح، ونسب إلى أبي حنيفة، وهو مذهب أهل الكوفة (¬١).
قال الترمذي: لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل العلم خلافًا في جواز وقف الأرضين إلا أنه نقل عن شريح القاضي أنه أنكر الحبس (¬٢).
---------------
(¬١) اختلفت الرواية عن أبي حنيفة في حكم الوقف إلى قولين:
الرواية الأولى:
أن الوقف غير جائز، وهذا رواية محمَّد بن الحسن عن أبي حنيفة، واقتصر عليها.
انظر الحجة على أهل المدينة (٣/ ٥٦)، تبيين الحقائق (٣/ ٣٢٥)، الهداية شرح البداية (٣/ ١٣)، المبسوط (١٢/ ٢٧)، البحر الرائق (٥/ ٢٠٩).
الرواية الثانية:
أن الوقف جائز، ولكنه غير لازم، وهذا في الحقيقة ليس رواية عن أبي حنيفة، وإنما حاول بعض الحنفية حمل قول أبي حنيفة بأنه لا يجوز على أن المقصود بأنه غير لازم.
قال السرخسي في المبسوط (١٢/ ٢٧): "أما أبو حنيفة فكان لا يجيز ذلك، ومراده أنه لا يجعله لازمًا، فأما أصل الجواز فثابت عنده".
وقال ابن عابدين في حاشيته (٤/ ٣٣٨): "والصحيح أنه جائز عند الكل، وإنما الخلاف بينهم في اللزوم وعدمه".
وهل تساعد اللغة في حمل كلمة لا يجوز، على أن المقصود بأنه يجوز، لكنه غير لازم؟ فيه نظر كبير، فإذا كان محمَّد بن الحسن قد اقتصر في الرواية عن أبي حنيفة على رواية أن الوقف لا يجوز، وأيده على ذلك هلال بن يحيى، تلميذ أبي يوسف في كتابه أحكام الوقف (ص ٥)، وذكر أن أبا حنيفة كان يحتج لقوله بقول شريح: جاء محمَّد ببيع الحبس، كان قولهما مقدمًا على من جاء بعدهما، والله أعلم.
(¬٢) فتح الباري (٥/ ٢٧٢)، والموجود نصًا في سنن الترمذي (٣/ ٦٥٩) "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، لا نعلم بين المتقدمين منهم في ذلك اختلافاً في إجازة وقف الأرضين وغير ذلك". =