كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 16)

والمعنى: أن الإنسان لإيثاره الجزع والمنع وتمكنهما منه ورسوخهما فيه، كأنه مجبول عليهما مطبوع، وكأنه أمر خلقي وضروري غير اختياري، كقوله تعالى: (خُلِقَ الإنسَانُ مِنْ عَجَلٍ) [الأنبياء: 37]، والدليل عليه أنه حين كان في البطن والمهد لم يكن به هلع، ولأنه ذم والله لا يذم فعله، والدليل عليه: استثناء المؤمنين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (والدليل عليه)، أي: على أن المعنى: أنه لإيثاره ذلك، جعل كأنه مجبول عليه، وليس المراد أنه مخلوق كذلك، وإلا فكان لازماً له غير مُنفك عنه كما ذكر. وأيضاً، لو كان فعل الله، لوجب أن لا يُذم عليه.
أما قوله: (والدليل عليه: استثناء المؤمنين)، فهو حجة أخرى من حيث النقل والنص بعد دليل العقل. الانتصاف: "يُنزه ظاهراً، ويشرك باطناً؛ ينزه الله تعالى عن خلق الهلع، ويُشرك معه في استبداد الخلق. وأنت إذا قلت: بريت القلم رقيقاً، فقد نسبت إليك البري والرقة معاً. وقوله: "الله لا يُذَم فعله: ، المذموم: العبد بحُجَّة الله، أنه جعل فيه الاختيار، ولله الحجَّة البالغة".
وقلت: أما الجواب عن قوله: "إنه كان في البطن والمهد لم يكن به هلع"، فما ذكره الراغب في "غُرة التنزيل": "فإن قيل: كيف يصح أن يقال: خُلق الإنسان هلوعاً جزوعاً منوعاً؟ هذا يوجب أن يكون الهَلَع والجَزَع والمنع، موجودة حال خَلْقِ الله له وليس كذلك، لأنه لا يشعر بذلك في حال الطفولية؟ وأجيب: بأن معناه: خُلِقَ حيواناً ضعيفاً لا يصبر على الشدائد إذا دامت عليه، وإجراؤه عليه في حال الخَلق توسع ومجاز.

الصفحة 19