كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 16)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال: الذي أذهب إليه، أن الهلع أصله التسرع والقلق نحو الشيء، والحريص يهلع، والجزوع يقلق، والحريص يتسرع إلى مُشتهاه اتباعاً لهواه وإن كان فيه رداه. والإنسان في حال صغره مطبوع على هذه الخلال، لأنه يتسرع إلى الثدي، ويحرص على الرضاع، وإن مسه ألم جزع وبكى، وإن تمسك بثدي فزوحم فيه، منع بما في قدرته من اضطراب وبكاء، فلا يزال يفعل ذلك إلى آخر عمره".
وروى الإمام عن القاضي عبد الجبار، أنه في قوله: {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا}: "نظير قوله تعالى: {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37]، وليس المراد أنه مَخلوق على هذا الوصف. والدليل عليه أنه تعالى ذّمَّه عليه، والله تعالى لا يّذُم فِعله، ولأنه تعالى استثنى المؤمنين الذين جاهدوا أنفسهم في ترك هذه الخَصْلة المذمومة، ولو كانت هذه الخصلة حاصلة بِخَلق الله تعالى، لما قدروا على تركها".
ثم قال الإمام: "اعلم أن الهلع لفظ واقع على أمرين: أحدهما: الحالة النَّفسانية التي لأجلها يُقْدِم الإنسان على إظهار الجزع والتضرع. والثاني: تلك الأفعال الظاهرة من القول والفعل، الدالة على تلك الحالة النفسانية، فلا شك أنها تحدث بِخَلق الله تعالى، لأنَّ من خُلِقَت نفسه على تلك الحالة، لا يُمكنه إزالتها عن نفسه، لأنها حالة نفسانية مخلوقة فيها على سبيل الاضطرار، بخلاف الأفعال الظاهرة من القول والفعل، فإنها يَسْهل تَرْكُها

الصفحة 20