كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 16)

وكان أبو زُرعةَ يقول: كتبتُ عن إبراهيمَ بنِ موسى الفرَّاء مئةَ ألفِ حديثٍ، وعن أبي بكر بن أبي شيبةَ مئةَ ألف حديثٍ، وأحفظ مئتي ألفِ حديثٍ كما يحفظُ أحدُكم {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} وفي روايةِ ابن منده: وأحفظ ثلاثَ مئةِ ألفِ حديث.
وقال محمَّدُ بنُ إسحاقَ الصنعانيُّ: أبو زُرعة يشبه أحمدَ بنَ حنبل.
وقال الإمامُ أحمدُ رحمةُ الله عليه: ما رأيتُ أحفظَ من أبي زُرعة.
وقال إسحاقُ بن رَاهُويه: كلُّ حديثٍ لا يعرفه أبو زُرعةَ فليس له أصلٌ.
وقال أبو يعلى المَوصليُّ: ما سمعنا أحدًا يُذكر من الحُفَّاظ إلا كان اسمُه أكبرَ من رؤيته، إلّا أبا زُرعة؛ فإنَّ مشاهدتَه كانت أعظمَ من اسمه.
وحكى [الخطيبُ عن] أبي زُرعة قال: إنَّ في بيتي ما كتبتُه منذ خمسين سنة ولم أطالِعْه منذ كتبتُه، وإنِّي لأعلمُ في أيِّ كتاب هو، في أيِّ وَرَقٍ هو، وفي أيِّ صفحةٍ هو، وما سمعتُ بأُذُني شيئًا إلا وعاهُ قلبي، وإنِّي لأمشي في أسواق بغدادَ فأسمعُ من الغُرَف صوتَ المغنِّيات، فأضعُ أصبعي في أُذني مخافةَ أن يعِيَه قلبي (¬1).
وقال محمَّد بنُ إسحاق الثقفيُّ: لما انصرف قتيبةُ بنُ سعيد إلى الرَّيِّ، سألوه أن يحدِّثهم، فامتنع وقال: أحدِّثكم بعد أن حضر مجلسي أحمدُ بنُ حنبل وابنُ معين وابنُ المديني؟ ! وعدَّ جماعة، فقالوا: إنَّ عندنا غلامًا يسردُ ما حدَّثتَ به مجلسًا مجلسًا، ثم قال: قم يا أبا زُرعة، فقام فسرد كلَّ ما حدَّثهم به قتيبة، فعجب، ثمَّ حدَّثهم حينئذٍ.
وحكى ابن باكويه عن أحمد بن سعيد الدَّارميِّ قال (¬2): صلَّى أبو زُرعة عشرين سنةً وفي مِحْرابه كتابةٌ فيها اسمُ الله تعالى لم ينظر إليها، فقدم عليه جماعةٌ من المحدثين، فقالوا: ما تقول في الكتابة على المحاريب؟ فقال: قد كرهها قومٌ، قالوا: فهذه كتابة في محرابك! فرفع رأسه إليها فرآها (¬3)، وقال: والله ما رأيتها قبلَ اليوم، أيدخل الداخلُ على الله وَيدري ما بين يديه؟
¬__________
(¬1) في (خ) و (ف): وقال أبو زرعة: إن في ... ، والمثبت من (ب). والكلام في "تاريخ بغداد" 12/ 41.
(¬2) في (خ) و (ف): وقال محمد بن سعيد الدارمي، والمثبت من (ب) وهو الموافق لما في "تاريخ دمشق" 44/ 317.
(¬3) في (خ) و (ف): وقرأها. والمثبت من (ب).

الصفحة 23