كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 16)

واحتاج إلى جارية تخدُمُه، فجمع له أصحابه ثمنَ جاريةٍ، فقدم تجَّارٌ من خُراسان ومعهم جارية، فساوموا صاحبها فقال: ليست للبيع، هذه لبُنان الحمَّال، أهدتها إليه امرأةٌ من أهل سَمَرْقَند، فحملوها إليه.
وقال: لَحِقَتْني ضائقةٌ، فخرجتُ وإذا بقطعةٍ من ذهب مُلقاة، فأخذتُها، وجعلتُها في فِيَّ، ومشيتُ غير بعيد، وإذا صبيانٌ بينهم صبيٌّ على شيء مرتفع يتكلَّم عليهم في التصوُّف، فوقفتُ أسمع، فقال له واحدٌ منهم: متى يجدُ العبد حَلاوةَ الصِّدق؟ فقال: إذا رمى القِطعة من الشِّدْق، فأخرجتُها من فمي ورميتُ بها.
نبذة من كلامه:
قال: الحرُّ عبدٌ ما طَمِع، والعبدُ حرٌّ ما قَنِع.
وقال: الخائنُ خائفٌ، والبريءُ جريء، ومَن أساء استوحش، ومَن كان يسُرُّه ما يضرُّه متى يُفلح؟
وقال: خلق الله سبعَ سماوات، وله في كلِّ سماء جنود، وطاعتُهم له على سبع مَقامات، فطاعةُ أكل السماء الدنيا على الخَوف والرَّجاء، وطاعةُ أهل السماء الثَّانية على المحبَّة والحياء، وطاعةُ أهل السماء الثالثة على المِنَّة والدُّعاء، وطاعةُ أهل الرابعة على الشَّوق والهَيبة، وطاعةُ أهل الخامسة على المُناجاة والإجلال، وطاعةُ أهل السادسة على الإنابَة والتَّعظيم، وطاعةُ أهل السابعة على المِنَّة والقُربة (¬1).
وقال: أنشدني بعضُ أصحابنا وقد دعوتُه: [من مجزوء الرمل]
مَن دعانا فأبَينا ... فله الفَضْلُ علينا
فإذا نحن أَجَبْنا ... رَجَعَ الفضلُ إلينا
وأنشد بُنان: [من الوافر]
لَحاني العاذِلون فقلتُ مَهْلًا ... فإنِّي لا أرى في الحُبِّ عارا
فقالوا قد خَلَعْتَ فقلتُ لسنا ... بأوَّل خالعٍ خَلَعَ العِذارا
وتوفِّي بمصر في شهر رمضان، ولم يتخلَّف عن جنازته أحدٌ، ودُفن بالقَرَافة، وقبرُه
¬__________
(¬1) طبقات الصوفية 293، ومناقب الأبرار 1/ 484 وفيهما بعض الاختلاف.

الصفحة 539