كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 16)

وقته مشايخُ علماءٌ، لكنَّهم لم يبلغوا في الإتقان ما بلغ.
وكان عليُّ بن عيسى الوزير يحدِّثُ في داره فيقول: حدَّثنا البغويُّ في ذلك المَوضع، ويُشير إلى بُقعةٍ من الدار، وحدَّثنا ابن صاعد في ذلك المكان، فيذكر جماعة، ويشير إلى مواضعهم، فقيل له: ما لك لا تذكر ابنَ أبي داود؟ فقال: ليتَه إذا مَضينا إلى داره يأذنُ لنا في الدُّخول.
وخرج إلى سِجِستان في أيام عمرو بن اللَّيث، فاجتمع إليه أصحابُ الحديث، وسألوه أن يُحدِّثَهم، فأبى وقال: ليس معي كتاب، فقالوا له: ابن أبي داود [وكتاب؟ ! ] فأملى (¬1) عليهم ثلاثين ألفَ حديث من حفظه، فلمَّا قدم بغداد قال البغداديون: مضى ابنُ أبي داود إلى سِجِستان ولعب بالنَّاس، ثم فيَّجوا فَيجًا (¬2) اِكْتَرَوْه بستَّة دنانير إلى سِجستان ليكتبَ لهم نسخةً، فكتب، وجاء بها إلى بغداد، وعُرِضَت على الحفَّاظ فخَطَّؤوه في ستَّة أحاديث، قال: منها ثلاثةٌ حَدَّثتُ بها كما حُدِّثتُ، وثلاثة أحاديث أخطأتُ فيها.
وقال: مررتُ يومًا بباب الطَّاق، فإذا رجلٌ يُعَبِّر الرؤيا، فمرَّ به رجلٌ، فأعطاه قطعةً وقال له: رأيتُ البارحة في منامي كأنّي أُطالبُ بصَداق امرأةٍ ولم أتزوَّج قطُّ؟ فردَّ عليه القطعة وقال: ليس لهذه جواب، قال: فتقدَّمتُ إليه وقلت: خُذ منه القطعةَ وأنا أعبره، فأخذها، فقلتُ للرجل: أَنْتَ تطالبُ بخَراج أرضٍ ليست لك، فقال الرَّجل: صدقتَ، هذا التَّوكيل معي على الخراج.
وقال أبو حفص بن شاهين: أملى علينا ابنُ أبي داود نحوًا من عشرين سنةً، ما رأيتُ بيده كتابًا، وإنَّما كان يُملي من حفظه، وكان أحفظَ من أَبيه.
ذكر وفاته:
مات ليلة الإثنين ودُفن يوم الإثنين وقت الظهر لثماني عشرة خلت من ذي الحجة
¬__________
(¬1) في (خ ف): إن أبي داود فأملى، والمثبت من تاريخ بغداد 11/ 137، وتاريخ دمشق 9/ 371، والمنتظم 13/ 275.
(¬2) أرسلوا رسولًا.

الصفحة 541