كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 16)

مِنْكُمْ [؟ قُلْتُ: تُخْبِرُنِي، قَالَ: فَأَمَّكُمْ بِكِتَابِ رَبِّكُمْ وَسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [. قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: فَهَذَا نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَنْزِلُ مُجَدِّدًا لِدِينِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي دُرِسَ مِنْهُ، لَا بِشَرْعٍ مُبْتَدَأٍ وَالتَّكْلِيفُ بَاقٍ، عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ هُنَا وَفِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ. وَقِيلَ:" وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ" أَيْ وَإِنَّ إِحْيَاءَ عِيسَى الْمَوْتَى دَلِيلٌ عَلَى السَّاعَةِ وَبَعْثِ الْمَوْتَى، قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ. قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى" وَإِنَّهُ" وَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:] بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ [وَضَمَّ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى، خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَوَّلُ أَشْرَاطِهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ." فَلا تَمْتَرُنَّ بِها" فَلَا تَشُكُّونَ فِيهَا، يَعْنِي فِي السَّاعَةِ، قَالَهُ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: فَلَا تُكَذِّبُونَ بِهَا، وَلَا تُجَادِلُونَ فِيهَا فَإِنَّهَا كَائِنَةٌ لَا مَحَالَةَ." وَاتَّبِعُونِ" أَيْ فِي التَّوْحِيدِ وَفِيمَا أُبَلِّغُكُمْ عَنِ اللَّهِ." هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ" أَيْ طَرِيقٌ قَوِيمٌ إِلَى اللَّهِ، أَيْ إِلَى جَنَّتِهِ. وَأَثْبَتَ الْيَاءَ يَعْقُوبُ فِي قَوْلِهِ" وَاتَّبِعُونِ" فِي الْحَالَيْنِ، وَكَذَلِكَ" وَأَطِيعُونِ". وَأَبُو عَمْرٍو وَإِسْمَاعِيلُ عَنْ نَافِعٍ فِي الْوَصْلِ دُونَ الْوَقْفِ، وَحَذَفَ الْبَاقُونَ فِي الْحَالَيْنِ." وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ" أَيْ لَا تَغْتَرُّوا بِوَسَاوِسِهِ وَشُبَهِ الْكُفَّارِ الْمُجَادِلِينَ، فَإِنَّ شَرَائِعَ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ تَخْتَلِفْ فِي التَّوْحِيدِ وَلَا فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ مِنْ عِلْمِ السَّاعَةِ وَغَيْرِهَا بِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ." إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ" تَقَدَّمَ فِي" البقرة" «١» وغيرها

[سورة الزخرف (٤٣): الآيات ٦٣ الى ٦٤]
وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٦٣) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءَ الْأَسْقَامِ وَخَلْقَ الطَّيْرِ وَالْمَائِدَةَ وَغَيْرَهَا، وَالْإِخْبَارَ بِكَثِيرٍ مِنَ الْغُيُوبِ. وَقَالَ قتادة: البينات
---------------
(١). راجع ج ٢ ص ٢٠٩ طبعه ثانية.] [

الصفحة 107