كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 16)

يُرَاعَى الْحَسَبُ وَالْمَالُ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ- وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَبَنَّى سَالِمًا وَأَنْكَحَهُ هِنْدًا «١» بنت أخيه الوليد بن عتبة ابن رَبِيعَةَ، وَهُوَ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَضُبَاعَةُ بِنْتُ الزُّبَيْرِ كَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ «٢» بْنِ الْأَسْوَدِ.
قُلْتُ: وَأُخْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كَانَتْ تَحْتَ بِلَالٍ. وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ كَانَتْ تَحْتَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ الْمَوَالِي الْعَرَبِيَّةَ، وَإِنَّمَا تُرَاعَى الْكَفَاءَةُ فِي الدِّينِ.
والديل عَلَيْهِ أَيْضًا مَا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا»؟ فَقَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْمَعَ. قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ:
«مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا» قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَلَّا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَلَّا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَلَّا يُسْمَعَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا».
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِمَالِهَا وَجَمَالِهَا وَدِينِهَا- وَفِي رِوَايَةٍ- وَلِحَسَبِهَا فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» وَقَدْ خَطَبَ سَلْمَانُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ ابْنَتَهُ فَأَجَابَهُ، وخطب إلى عمرا بنته فَالْتَوَى عَلَيْهِ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا فَلَمْ يَفْعَلْ سَلْمَانُ. وَخَطَبَ بِلَالٌ بِنْتَ الْبُكَيْرِ فَأَبَى إخوتها، فقال بِلَالٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَاذَا لَقِيتُ مِنْ بَنِي الْبُكَيْرِ، خَطَبْتُ إِلَيْهِمْ أُخْتَهُمْ فَمَنَعُونِي وَآذَوْنِي، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أجلال جلال، فَبَلَغَهُمُ الْخَبَرُ فَأَتَوْا أُخْتَهُمْ فَقَالُوا: مَاذَا لَقِينَا بك مِنْ سَبَبِكِ؟ فَقَالَتْ أُخْتُهُمْ: أَمْرِي بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَزَوَّجُوهَا. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِي هِنْدٍ حِينَ حَجَمَهُ: «أَنْكِحُوا أَبَا هِنْدٍ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِ». وَهُوَ مَوْلَى بَنِي بَيَاضَةَ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا هِنْدٍ مَوْلَى بَنِي بَيَاضَةَ كَانَ حَجَّامًا فَحَجَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَنْ صَوَّرَ اللَّهُ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي هِنْدٍ».
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْكِحُوهُ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِ». قَالَ الْقُشَيْرِيُّ أَبُو نَصْرٍ:
---------------
(١). وتسمى فاطمة.
(٢). اسم أبيه عمرو بن ثعلبة، وتبناه الأسود بن عبد يغوث وهو أحد السبعة الذين كانوا أوّل من أظهر الإسلام. [ ..... ]

الصفحة 347