كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 16)

عَلَى جَمَلٍ صَعْبٍ فَقُلْتُ لَهُ: أَبَا جَعْفَرٍ! أَمَا تَخَافُ أَنْ يَصْرَعَكَ؟ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (عَلَى سَنَامِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ إِذَا رَكِبْتُمُوهَا فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ كَمَا أَمَرَكُمْ ثُمَّ امْتَهِنُوهَا لِأَنْفُسِكُمْ فَإِنَّمَا يَحْمِلُ اللَّهُ (. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ: شَهِدْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَكِبَ دَابَّةً يَوْمًا فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى الدَّابَّةِ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ قَالَ" سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هَذَا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ. وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ" ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ- ثَلَاثًا- اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، ثُمَّ ضَحِكَ فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَضْحَكَكَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ، وَقَالَ كَمَا قُلْتُ، ثُمَّ ضَحِكَ فَقُلْتُ لَهُ مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (الْعَبْدُ- أَوْ قَالَ- عَجَبًا لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ «١» غَيْرُهُ (. خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ فِي أَحْكَامِهِ. وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ نَحْوَهُ مُخْتَصَرًا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَالَ: (بِاسْمِ اللَّهِ- فَإِذَا اسْتَوَى قَالَ- الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ وَإِذَا نَزَلْتُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ فَقُولُوا اللَّهُمَّ أَنْزِلْنَا مَنْزِلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (. وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَنْ رَكِبَ وَلَمْ يَقُلْ" سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هَذَا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ" قَالَ لَهُ الشَّيْطَانُ تَغَنَّهْ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ قَالَ لَهُ تَمَنَّهْ، ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ. وَيَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنْ مَقَامِ مَنْ يَقُولُ لِقُرَنَائِهِ: تَعَالَوْا نَتَنَزَّهُ عَلَى الْخَيْلِ أَوْ فِي بَعْضِ الزَّوَارِقِ، فَيَرْكَبُونَ حَامِلِينَ مَعَ أَنْفُسِهِمْ أَوَانِيَ الْخَمْرِ وَالْمَعَازِفَ، فَلَا يَزَالُونَ يَسْتَقُونَ حَتَّى تَمَلَّ طِلَاهُمْ «٢» وَهُمْ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ أَوْ فِي بُطُونِ السُّفُنِ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ، لَا يَذْكُرُونَ إِلَّا الشَّيْطَانَ، وَلَا يَمْتَثِلُونَ إِلَّا أَوَامِرَهُ. الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ السَّلَاطِينِ رَكِبَ وَهُوَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ شَهْرٍ، فَلَمْ يَصْحُ إِلَّا بَعْدَ مَا اطْمَأَنَّتْ بِهِ الدَّارُ، فَلَمْ يَشْعُرْ بِمَسِيرِهِ وَلَا أحس به، فكم بَيْنَ فِعْلِ أُولَئِكَ الرَّاكِبِينَ وَبَيْنَ مَا أُمِرَ الله به في هذه الآية!؟
---------------
(١). في ح ن هـ: الذنب
(٢). الطلاء: ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه. وبعض العرب يسمى الخمر الطلاه، يريد بذلك تحسين اسمها.

الصفحة 68