كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 16)
قَالَ مُقَاتِلٌ: يَتَمَنَّى الْكَافِرُ أَنَّ بَيْنَهُمَا بُعْدَ مَشْرِقِ أَطْوَلُ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ إِلَى مَشْرِقِ أَقْصَرِ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ" بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ". وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَرَادَ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ فَغَلَّبَ اسْمَ أَحَدِهِمَا، كَمَا يُقَالُ: الْقَمَرَانِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَالْعُمَرَانِ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَالْبَصْرَتَانِ لِلْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، وَالْعَصْرَانِ لِلْغَدَاةِ وَالْعَصْرِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
أَخَذْنَا بِآفَاقِ السَّمَاءِ عَلَيْكُمُ ... لَنَا قَمَرَاهَا وَالنُّجُومُ الطَّوَالِعُ
وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِجَرِيرٍ:
مَا كَانَ يَرْضَى رَسُولُ اللَّهِ فِعْلَهُمُ ... وَالْعُمَرَانِ أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ
وأنشد سيبويه:
قدني من نصر الخبيثين قَدِي
يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ وَمُصْعَبًا ابْنَيِ الزُّبَيْرِ، وَإِنَّمَا أَبُو خُبَيْبٍ عَبْدُ اللَّهِ." فَبِئْسَ الْقَرِينُ" أَيْ فَبِئْسَ الصَّاحِبُ أَنْتَ، لِأَنَّهُ يُورِدُهُ إِلَى النَّارِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: إِذَا بُعِثَ الْكَافِرُ زُوِّجَ بِقَرِينِهِ مِنَ الشَّيَاطِينِ فَلَا يُفَارِقُهُ حتى يصير به إلى النار.
[سورة الزخرف (٤٣): آية ٣٩]
وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ"" إِذْ" بَدَلٌ مِنَ الْيَوْمِ، أَيْ يَقُولُ اللَّهُ لِلْكَافِرِ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ أَشْرَكْتُمْ فِي الدُّنْيَا هَذَا الْكَلَامِ، وَهُوَ قَوْلُ الكافر" يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ" أَيْ لَا تَنْفَعُ النَّدَامَةُ الْيَوْمَ." إِنَّكُمْ" بِالْكَسْرِ" فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ" وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنُ عَامِرٍ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ. الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ. وَهِيَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ تَقْدِيرُهُ: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ اشْتِرَاكُكُمْ فِي الْعَذَابِ، لِأَنَّ لِكُلٍ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ الْأَوْفَرَ مِنْهُ. أَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ مَنَعَ أَهْلَ النَّارِ التَّأَسِّي كَمَا يَتَأَسَّى أَهْلُ الْمَصَائِبِ فِي الدُّنْيَا، وَذَلِكَ أَنَّ التَّأَسِّيَ يَسْتَرْوِحَهُ أَهْلُ الدُّنْيَا فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: لِي فِي الْبَلَاءِ وَالْمُصِيبَةِ أُسْوَةٌ، فَيُسَكِّنُ ذَلِكَ مِنْ حُزْنِهِ، كَمَا قَالَتِ الْخَنْسَاءُ:
فَلَوْلَا كَثْرَةُ الْبَاكِينَ حَوْلِي ... عَلَى إِخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي
وَمَا يَبْكُونَ مِثْلَ أَخِي وَلَكِنْ ... أُعَزِّي النَّفْسَ عَنْهُ بِالتَّأَسِّي
الصفحة 91