كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 16)

حتى أبصرت ما تملكه أمتي من أقصى المشارق والمغارب منها، وظاهر هذا اللفظ يقتضي أن اللَّه تعالى قوى إدراك بصره، ورفع عنه الموانع المعتادة، فأدرك البعيد من موضعه الذي هو فيه كما أدرك بيت المقدس من مكة، وجعل يخبرهم عن آياته وهو ينظر إليه، ويحتمل أن يكون قربها اللَّه له فرآها، قال القرطبي: والأول أولى.
(وإن ملك) بضم الميم (أمتي سيبلغ ما زوي) أي: جمع (لي منها) هذا الخبر قد وجد مخبره كما قال، وكان ذلك من دلائل نبوته، وذلك أن ملك أمته اتسع إلى أن بلغ أقصى بحر طنجة الذي هو منتهى عمارة المغرب إلى أقصى المشرق وما وراء خراسان والنهر وكثير من بلاد السند والهند ولم يتسع ذلك الاتساع من جهة الجنوب والشمال، ولذلك لم يذكر -عليه السلام- أنه أريه، ولا أخبر أن ملك أمته سيبلغه.
(وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض) يعني بهما: كنز كسرى وقيصر ملكي العراق والشام، وقصورهما وبلادهما، والمراد بالأحمر الذهب، وبالأبيض الفضة، وعبر بالأحمر عن كنز قيصر ملك الروم؛ لأن الغالب كان عندهم الذهب، وبالأبيض عن كنز كسرى؛ لأن الغالب كان عندهم الفضة والجوهر، وقد وجد ذلك في زمن الفتوح في خلافة عمر، فإنه سيق إليه تاج كسرى وحليته وما كان في بيوت أمواله وما حوته مملكته مع سعتها وعظمها، وكذلك فعل اللَّه بقيصر لما فتح بلاده.
(وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة) الباء زائدة والتقدير بسنة عامة كما في مسلم. قال القرطبي: صحت الرواية في مسلم "بعامة"

الصفحة 670